+ A
A -
كانتْ ليلة ظلماء، لا قمر في كبد السماء يُبدِّد شيئاً من عتمتها، ولم تكُن المُدن قد عرفتْ الإنارة بعد، ولكن قمراً من لحم ودم كان يَسيرُ في طُرقات المدينة، فسمعَ أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن في داره، فأُعجبَ بصوته، فوقف يسمع تلاوته. فلما انتهى أبو موسى من التلاوة أكملَ طريقَه…
وفي الصباح لَقِيَه، فقال له: يا أبا موسى لو رأيتني وأنا أستمعُ لقراءتك البارحة، لقد أُوتيتَ مزماراً من مزامير آل داود!
فقال له أبو موسى: يا رسول الله، لو علمتُ بمكانك لحبَّرته لك تحبيراً!
وقفَ يسمعُ القرآن وهو الذي تلقَّاه من جبريل مباشرة، فَحُفِرَ في قلبه كنقشٍ لا يُمحى ولا يزول، ثم في الصباح يُثني على أبي موسى، يُخبره عن عذوبة صوته، وعن أنه أوتيَ مزماراً من مزامير آل داود، داود عليه السلام تحديداً، ذاكَ الذي كان إذا سبَّح سبَّحتْ معه الجبال والطيور بأمر خالقها «يا جبال أوِّبي معه والطير»!
الثناء على قدرات الآخرين من أدب الأنبياء، أما رأيتَ موسى عليه السلام من قبل قد قال: «وأخي هارون هو أفصحُ مني لساناً»!
ونكران مزايا الآخرين، واعتبار الإنسان نفسه فلتة عصره، ووحيد زمانه هو خُلق إبليس، أما رأيتَ أنه قد قال من قبل «أنا خيرٌ منه»!
إذا استمعتَ إلى مُحاضرةٍ وأعجبتكَ وأثَّرتْ فيك فمن النُبل لو أثنيتَ على المُحاضر، فالناس مهما بلغوا من التفوق والنجاح يُسعدهم أن يسمعوا كلام الثناء!
إذا رأيتَ موظفاً عندك قد عملَ عملاً ناجحاً فأثنِ عليه، من العيبِ أن لا نرى إلا الأخطاء، فنكون كالذباب الذي لا يقعُ إلا على قذارة، وما أجمل أن نكون كالنحل لا يقفُ إلا على الزَّهر!
إذا دُعيتَ إلى مأدُبة، ورأيتَ كل شيءٍ مُرتباً، ووجدتَ الطعام شهياً، فاشكُرْ صاحب البيت على حُسن ضيافته، وأخبره أن يشكر زوجته نيابةً عنكَ، فهي الجندي المجهول الذي لم تره ولكنك رأيتَ حُسن صنيعه!
وأنبل من هذا كله أن تُثني على الذين يملكون مهارة من جنس مهارتك ونبوغك، فلو كنتَ كاتباً وقرأتَ كتاباً لغيرك أثنِ عليه!
وإذا كنتَ موظفاً ناجحاً، ورأيتَ زميلاً لك قد أبدع في فكرةٍ أثنِ عليه، وشجِّعه، إن الأمم إنما تنهضُ بالتلاحم لا بالتناحر، ودع عنكَ أخلاق الضرائر التي تُريد كل واحدة منهنَّ أن تحظى بقلب زوجها، كُن شريكاً وداعماً ولا تكن ضُرَّة!
إذا زرتِ جارةً لكِ وأعجبكِ ترتيبُ بيتها فامدحي في ترتيبها، وإذا أهدتْ إليكِ جارةٌ طبقاً من طعام ووجدتِه لذيذاً فأخبريها أنها طاهية ماهرة، جميعنا نحتاج أن نسمع كلام الثناء على الأشياء الجيدة التي نفعلها!
وقمة النُبل أن نُثني على مزايا الآخرين في غيابهم، لماذا علينا دوماً أن ننتف ريش الغائبين، ونتحدث عن سلبياتهم، للناس مزايا أيضاً فلنتحدَّثْ عنها، وعندما تحدَّثَ موسى عليه السلام عن مزايا أخيه إنما تحدَّثَ بها مع الله وهو أعلم بهارون عليه السلام من موسى، فكيف بكَ إذ تتحدَّث عن صفات جميلة لشخص عند شخص لا يعرفه!
بقلم: أدهم شرقاوي
copy short url   نسخ
16/04/2020
4380