+ A
A -
تمنيت مرة على الصحيفـة أن تخصص ولو أسـبوعياً مسـاحة معقولة (أكثر من ألف كلمة) للحديث عـن المبدعـين في ذكرى مـيلادهـم أو وفاتهـم، وهـم الذين ملؤوا حياتـنا جـمالاً بالفـن والغـناء والمسرح والسينما والرواية والشعر والرسم والنحت وجميع مجالات الإبداع، فمن حق هؤلاء علينا أن نحيي ذكراهم، وليكونوا نبراساً يضيء الطريق لمن يسيرون على هذه الدروب.
كتـبت وكتب غيري عـن المبدع الذي ظل يتجدد حتى آخر لحظات حياتـه، موسـيقار الأجيال محمـد عـبدالوهاب، لأبيـن كم عانى هـذا العـبقـري قـبل أن يصل إلى ما وصل إلـيه، وأكتب اليوم عن تلميذه الذي تحل اليوم ذكرى وفاتـه الثالثة والأربعـون (30/‏3/‏1977) عن عمر لا يزيد عن 48 عاماً (21/‏6/‏1929)، بعد أن قدم أروع الأغاني التي ما زالت حية في الأذهـان، ويرددها الهـواة، ولكن واحدهـم يبدأ التصـرف – إذا نجـح – وكأنه وريث عـبد الحليم الشرعي.
هل قرؤوا قـصة صاحب الصوت الجميل المثقف؟ وكم عانى الفـقر والمرض واليتـم في سـن مبكرة؟ هل اهتموا بمعرفة دراسـته الموسـيقية؟ أو بمعرفة رفاق دربه من الملحنين الكبار مثـل محمـد الموجي وكمال الطويل وبليـغ حمدي؟ هـل عرفـوا حـرصه على اختـيار أجـمل الكلمات بالفصحى والعامية، واهـتمامه بأدق التفاصيل في الأغنية؟ أم يريدون القـفز خلال شهور إلى ما احتاج منه سنوات طويلة لتحقيقه؟
قيل في حياة عبد الحليم إنه كان يحجب المطربين الصاعدين، عن قصد أو دون قصد، واختفى عـبد الحليم من السـاحة، فـلماذا لم يبرز أولئك الذين ادعـوا أنه كان يحاربهـم؟ لا أريد أن أعدد الأسماء، ولكنهم معروفون لهـواة الغناء العربي، لماذا ظل مقعد عبد الحليم شـاغراً حتى اليوم لم يسـتطع أحد أن يملأه؟ هكذا هم الكبار، لا يلقون بالاً إلى هذه السـفاسف، بل يسعى كل منهم إلى تجويد فنه وتقـديم أفضل ما عنده. لمـاذا ما زالت أغاني عـبد الحليم حية في أذهـان الناس وقلوبهم بعد أكثر من أربعين سـنة على وفاته، بينما تنطفئ أغاني هؤلاء بعد شهور وربما أسـابيع على إطلاقها؟ هـل تعلمـون أن أغـنية «سـواح» تعـود إلى عام 1969؟ و«حبك نار» 1959؟ و«أبـو عـيون جريئة» 1958؟ فلماذا ما زالت حيـة؟ أعـتذر عن التشـبيه ولكن! لأنها صنعـت بهـدوء وإتقان، وطبخت على نار هادئة جداً، أما غناء هذه الأيام فإنه يطبخ على نار شديدة الاشتعال، فتحترق الطبخة. كان زهير بن أبي سـلمى ينقح قصيدته حولاً كاملاً ولذلك سـميت الحوليات، وما زالت خالدة.
* العـنادل: جمع عـندليب، لقب عبد الحليم، وهـو طائر أصغر من العصفـور عـذب الصوت يسمى الهزار، وقيل هو البلبل.
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
30/03/2020
1497