+ A
A -
البداية:

«وفي أنفسكم أفلا تتفكرون»



متن:

الحالة: مسافر إلى المكان الذي أُحب

الخيار: بيروت الفاتنة الجميلة

الساعة: العاشرة والنصف صباحًا

للتو وصلنا لمطار الحريري المزدحم،

الوجوه مختلفة والجوازات تنوعت ألوانها

الجميع يزور هذا البلد الذي يكافح من أجل العيش

رغمًا عن أنف السياسة الفاسدة والتي لم تستطع قتل ابتسامتهم

الشعب هنا رغم الألم.. لايزال محبًا للحياة



نقف بطابور طويل والسير لايتحرك، بعد نصف ساعة من التذمر علمنا أن عطلًا حدث بأجهزة المطار جرّاء انقطاع الكهرباء المتكرر

انتظرنا وطال الوقوف.. جهازين فقط التي تعمل،

أمامي امرأتين ورجل

كبار بالسن

يتحاملون على الزمن بالوقوف طويلًا حتى خانتهم السنين

فماعاد بالصحة بقية.. ولا للشباب عودة

فاشتكوا للضابط خلال مروره عن عدم قدرتهم الوقوف أكثر

كان صوتهم مليئا بالتعب

فماكان من الضابط إلّا استثنائهم من الصفوف الطويلة وأمر بسرعة ختم جوازاتهم

وهذا أمرٌ عظيم.. فمثلهم يجب أن يُرحم شَيْبه

ويُحفظ قدره

ويُرحم كِبره



لكن الغريب..

عندما طلب شاب بالعشرين من عمره

من ذات الضابط أن يسمح له بالمرور سريعًا لأنه لايتحمل الوقوف!

فرد عليه بتهكم.. ولماذا لاتستطيع؟

هل تريد مساحيق تجميل لتعيد ترميم وجهك وأنوثتك

ونأمر الموظفين بحملك لسيارتك؟

ونهره بغضب:

قف رجلًا وانتظر دورك



بينما الشاب يعبث بمحفظته

قلت في نفسي حسنًا فعل

القسوة أحيانًا نافعة لجيل ليس لديه صبر

ويريد كل شيء بسرعة

ولايهتم لغيره.. وبينما أنا أردد الكلمات سرًا

أخرج الشاب بطاقة للضابط

وبنبرة منكسرة قال:

معي مرض السرطان ولا أتحمل الوقوف الطويل فنبضات قلبي لاتنتظم!



الذهول أصاب الجميع.. لحظة صمت لفّت المكان

حتى الرجل المسؤول وقف ساكنًا

فاعتذر له بسرعة وبصوت الحسرة رفع يده للجميع واعتذر لنا عمّا حدث،



أخذ بيده وختم جوازه بنفسه وسار معه لخارج صالة القادمون.. واسدل الستار على هذا المشهد



وابتدأ مشهد آخر..

التحديق بالسقف وطرح التساؤلات التي لا أعرف متى تنتهي!

فمثلي لديه عاطفة شديدة تجاه الأشياء واللحظات،



ياترى

لماذا فرحنا عندما نهره الضابط ولم ننتظر أسبابه؟

حتى أننا لم نرَ مبرراته؟

قائمة طويلة من لوم الذات سطّرتها لنفسي..

وليتني أتعلم

وليتنا ننتبه لحماقاتنا ولانستعجل الأحكام



وعلى الضفة المقابلة من النفس اللّوامة تساءلت:

شاب بالعشرين من عمره مصاب بهذا المرض..

ماذا ينتظره؟

كم مرة يموت من شفقة الناس حال علمهم بمصابه؟

وكم صديق حقيقي يقف بجانبه ليُشعره بقيمته؟

وكم من الخيارات التي تنتظره ليقرر كيف يعيش حياته؟

رغم أني لا أعتقد أن أمثاله يتوه بحيرة القرار

فهو يعيش على قائمة الانتظار

فخانة «لائق صحيًا» في كل ورقة وظيفية

ستجعله يعيش أسير الوحدة

يتنفس ويتألم وينتظر

وكل هذا بصمت.. فنظرة المحسنين تقتلك ألف مرة

وليتها تكفي



آهٍ على وجعٍ يُنهي الحياة باكرًا

وآهٍ على نفسٍ تتلذذ بما في يد غيرها ولاتشبع

وكلما حصلت على شيءٍ.. طمعت بالمزيد

وآهٍ على عينٍ لاتُبصر جمال الحياة وتعد نواقصها رغم كل الملذات التي تنعم بها

لكنها فطرتنا الآدمية الجاحدة

لاتقنع بالموجود.. ولاترضَ

صحة وشباب وأصدقاء.. فلماذا الحزن يانفسي التي لاتتعظ!



‎اللهمَّ لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، لك الحمد عدد الكائنات، وملء الأرض والسموات.





إضاءة:

اللهم اشفِ قلبًا أرهقه التعب وجسدًا أعياه المرض وعينًا أبكاها الألم



آخر السطر:

وكل ماكبر همك يافهيد قل الحمدلله.. حياتك يطمع بها ناس غيرك.



بقلم : دويع العجمي

copy short url   نسخ
02/05/2016
2769