+ A
A -
تواصل قطر كتابة فصول قصتها الفريدة بقلم التميز وحبر التفوق، في أكثر من مجال وعلى كذا صعيد، لتقدم للعالم الجديد والمزيد من الدروس والعبر، يأتي في مقدمتها، ولعله أبرزها، أن قوة الدول وتأثيرها يكمنان في أفعالها وفعاليتها، وليس بأحجامها ومساحاتها وعدد سكانها.. مما جعل الدوحة، تحت الأضواء العالمية، يراقب الجميع تحركاتها، ويصفقون لإنجازاتها، حتى أضحت واحة للحوار وعاصمة للسلام.. والمكان المثالي لاحتضان المونديال.
«1000» يوم على الحصار.. «1000» يوم على المونديال، مصادفة مدهشة وغير متوقعة، ومع «الألفين» ولدت العديد من قصص النجاح، وتحولت الكثير من الآمال والتحديات إلى واقع ملموس، وشهدت الفترة الماضية تحقيق مكاسب تاريخية تستحق أن تروى للأجيال القادمة، ليعلموا كيف دافعت قيادتهم وشعبهم عن سيادة البلاد، وعملوا معاً للمضي قدماً بتوفير كل ما يلزم لتنفيذ الالتزامات كما هي، والقيام بحميع الأدوار المناطة بها دون أن تتأثر بمؤامرات أو خطط تضمرها دول الحصار لإلحاق الأذى، فكشفتهم وتجاوزتهم وتقدمت للأمام ولم تعد تنظر إليهم.. فهي لا تنظر للخلف !
يوم الثلاثاء قال السيد جياني إنفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا»: قطر تمضي لـ «تبهر العالم» مع بدء العد التنازلي الرمزي لألف «استضافتها لمونديال 2022، وهي تواصل تميزها على طريق الإعداد للمونديال، مقارنة بأي بلد آخر استضاف البطولة، وأرى أنها على الطريق الصحيح لتحقيق ذلك، لاشك أن النسخة المقبلة من المونديال ستمثل علامة فارقة على الصعيدين الثقافي والاجتماعي، وستمثل كرة القدم والمونديال نافذة هامة يتعرف من خلالها العالم على هذه المنطقة التي تحظى كرة القدم فيها بشعبية واسعة، ومن ثم الاستفادة من هذا الحدث العالمي في التواصل والتقريب بين الشعوب، وتعزيز الفهم المشترك بين الجميع، خلال احتفالية كروية عالمية على أرض قطر».
هذا ما يتوقعه رئيس «فيفا»، وما يترقبه العالم.. أيام مبهرة لمونديال سيبقى في ذاكرة أجيال من عشاق ومحبي كرة القدم.
«1000» يوم في مواجهة حصار جائر، كان من بين أهدافه منع إقامة المونديال عن قطر، عبر ترويج إشاعات وأكاذيب من أجل حرمان جماهير المنطقة العربية بأسرها من هذه اللحظة التاريخية في عالم الرياضة.. ولكنها لم تصمد أمام نور الحقيقة وشمسها الساطعة.
قالها إنفانتينو: قطر تمضي لـ «تبهر العالم»، وستفعلها بمشاريع بنية تحتية ضخمة، وشبكة خطوط مترو حديثة ومريحة، فيما الاستعدادات تتواصل لاستضافة المونديال الأكثر تقاربا في تاريخه، ما يضمن بقاء المشجعين واللاعبين وأجهزة المنتخبات المشاركة على مقربة من الاستادات، وملاعب التدريب، ومناطق المشجعين، وأماكن الإقامة، حيث لا تتجاوز المسافة بين أي من استادات المونديال «55» كلم، ما سيسمح للمشجعين بحضور أكثر من مباراة واحدة في اليوم الواحد في مرحلة المجموعات، بالإضافة إلى وصول اللاعبين والمشجعين عبر مطار واحد، هو مطار حمد الدولي «الأفضل في الشرق الأوسط»، وأحد أفضل خمسة مطارات في العالم.
بين «1000» يوم على الحصار، و«1000» يوم على المونديال، «1000» قصة عن الصمود والذود عن الوطن، والبناء والتنمية والمشاريع العملاقة على كل صعيد، لذلك جاءت لحظة الإعلان عن بدء العد التنازلي للمونديال، في ذروة مجموعة هائلة من المنجزات التي يصعب على أي شخص استحضارها دفعة واحدة.
المصادفة المذهلة ليست بين «الألفين» فقط، فهي جاءت متزامنة مع جولة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، التي شملت ثلاث دول عربية شقيقة هي: المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية التونسية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والتي فتحت آفاقا جديدة من التعاون بما يخدم المصالح القطرية مع الدول الثلاث وشعوبها الشقيقة وكذلك القضايا والحقوق والتطلعات العربية بوجه عام، خاصة وأن الجولة تزامنت مع تزايد التحديات والأخطار المحدقة بالأمة العربية من كل الجهات، بدءاً بالقضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية في مدينة القدس، مروراً بالأوضاع الإنسانية الصعبة التي يواجهها الأشقاء في شمال سوريا، وكذلك الأوضاع والمستجدات في ليبيا واليمن والصومال وغيرها من البلاد العربية، وقد عكس حجم الترحيب الرسمي والشعبي بصاحب السمو في الدول الشقيقة الثلاث ما تحظى به قطر من مكانة بفضل علاقاتها الطيبة القائمة على الاحترام والثقة واحترام السيادة.
فقطر كانت ومازالت تولي العمل العربي المشترك أولوية وأهمية خاصة، رغم كل الظروف والمنغصات التي تعترض في الطريق لعرقلة التفاهم والتلاحم بين أعضاء الوطن العربي، ولم تنشغل يوما بقضاياها الخاصة عن هموم أمتها، ولم تتحول يوما إلى مشاغلها، متناسية هموم الآخرين ومشاكلهم، فكانت حاضرة بقوة في المنابر السياسية وفي المحافل الاقتصادية، كما كانت يد الخير في الظروف الإنسانية تمدها لكل محتاج أو مكروب، منبسطة على الدوام، أعطت فأجزلت العطاء، في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، فكانت خير معين وكانت مثالا في الإحسان إلى الإنسان.
وعلى صلة بهذا الحديث قدمت قطر بلا منة رزمة مشاريع إغاثية لسكان قطاع غزة، تتضمن زيادة عدد الأسر المستفيدة من المساعدات النقدية لشهر فبراير الحالي لتصبح «120» ألف أسرة مستورة ومتعففة بواقع «100» دولار لكل عائلة، ومليون دولار أميركي لدعم مشروع زواج لـ «500» شاب من الشباب الذين تقدم بهم العمر وغير قادرين على تحمل تكاليف الزواج، ومليون دولار أخرى لترميم عدد من بيوت الفقراء، ومليون دولار ثالثة لدعم خريجي الجامعات بغزة من أصحاب الشهادات العالقة، نتيجة تعذر دفع الرسوم المستحقة عليهم.
أيضا بالأمس تابعنا حملة الإخاء والعطاء «حق الشام» التي أطلقتها «قطر الخيرية» بالشراكة مع المؤسسة القطرية للإعلام، وبإشراف من هيئة تنظيم الأعمال الخيرية، لمساندة الأشقاء السوريين في ظروف بالغة السوء، بينما يقف العالم متفرجا يحصي أعداد القتلى والجرحى دون أن يحرك ساكنا لوقف هذه المأساة.
وقبلها رأينا قطر عبر «خطوطها الجوية» تقدم الدعم والمؤازرة للصين في محنة الفيروس الذي تفشى في بعض مناطقها، فنهضت بمسؤولياتها الإنسانية ونقلت أطنانا من المعدات الطبية، في حين كانت دول أخرى تنكفئ على نفسها وتغلق أبوابها وحدودها غير آبهة بهذه المحنة.
وجاء ذلك متزامناً مع انعقاد الاجتماع الثاني عالي المستوى للشبكة العالمية للنزاهة القضائية، والذي تم على هامشه التوقيع على إعلان نوايا لتأسيس مركز الأمم المتحدة للبحث والتدريب المعني بالنزاهة القضائية، ومقره الدوحة، بعد أيام فقط من افتتاح مكتب أممي لمكافحة الإرهاب وتقديم المساعدات الفنية والتدريب لبرلمانات العالم لبناء القدرات للبرلمانيين من أجل فهم أفضل للمسائل المتعلقة بالإرهاب ومجابهتها، ودعم تنفيذ المبادرات الرئيسية في إطار البرنامج المشترك للأمم المتحدة والاتحاد البرلماني الدولي، وهي خطوة تبرز أهمية جهود الدوحة في مكافحة الإرهاب، وتؤكد ثقة المجتمع الدولي في الجهود التي تبذلها دولة قطر لمكافحة الإرهاب ومعالجة جذوره وأسبابه.
بعد «1000» يوم من الحصار بدعوى دعم قطر للإرهاب، يتم التوقيع على اتفاق لافتتاح مكتب أممي لمكافحة الإرهاب هنا في الدوحة، أليس في ذلك رد دولي مفحم، يرفع من مكانة قطر عالمياً ويقزّم من أدوار دول الحصار بعد مزاعمها التافهة التي حاولت ترويجها وكذّبها المجتمع الدولي في وقتها وسخر من هذه الهرطقات قبل أن يوجه لهم صفعة جديدة وساخنة بتأسيس مركز الأمم المتحدة المعني بالنزاهة القضائية في الدوحة، وافتتاح مكتب أممي لمكافحة الإرهاب، كرسالة ثقة دولية، واحترام كبير لتوجهات دولة قطر وعدالة مواقفها، وإيمانه بان الدوحة كانت وما تزال معينا للمحروم وملاذا للمظلوم وكعبة للمضيوم.
كذلك في هذه الفترة المفصلية تبرز قصة النجاح الأكبر للدبلومسية القطرية، حيث استضافت الدوحة بالأمس التوقيع على اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية منذ «18» عامًا، وهو الاتفاق الذي سيسمح للولايات المتحدة بسحب آلاف الجنود من أفغانستان، وطي صفحة أحد أسوأ الصراعات في العالم، وأكثرها دمارا، وهو ما نأمله ونتطلع إليه ومعنا العالم بأسره.
تقع قطر على بعد «1800» كيلومتر من أفغانستان التي مزّقتها الحرب طوال سنوات، ومع ذلك فقد تمكنت بصبرها وحنكتها وحكمتها من تقريب المسافات في سبيل وضع حد لهذه الحرب المدمرة، وفي الواقع فإن نجاحها في جهود الوساطة التي بذلتها بين عدة أطراف ودول في الماضي، كرّس قدرا هائلا من الثقة بتحركاتها، الأمر الذي مكنها من لعب دور الوسيط النزيه في هذا الصراع الذي يتطلع العالم بأسره إلى إنهائه.
وقد سمعنا وزير الخارجية الأميركي ورئيس المكتب السياسي لحركة طالبان يوجهان عميق الشكر والامتنان لصاحب السمو على ما بذلته قطر من جهود، من أجل الوصول إلى هذا الاتفاق التاريخي، الذي نأمل أن يؤسس لمرحلة جديدة من السلام الشامل والمستدام.
قالها صاحب السمو في خطاب للمواطنين والمقيمين على أرض قطر، يوم 21 يوليو 2017، «إن الحكمة السائرة الأكثر انتشارا في المجتمع القطري هذه الأيام هي رب ضارة نافعة».. الضارة الناجمة عن الحصار، كانت نافعة على كل مستوى، فهي رصت صفوفنا تحت راية الوطن، وهي ألهمتنا للاعتماد على النفس أكثر وأكثر، وهي كانت أداتنا المحفزة للمضي في طريق التمسك بسيادتنا وحرية قرارنا، وكانت النتائج كما نرى اليوم، نهضة شاملة على كل صعيد، واكتفاء ذاتيا في الكثير من السلع والخدمات، وعلاقات ممتازة تجمعنا بالأشقاء والأصدقاء، ونشاطا دبلوماسيا نراه يؤتي المزيد من الثمار يوما بعد يوم.
كل ذلك بعد «1000» يوم من الحصار، كتبت قطر خلالها أروع قصص النجاح داخليا وإقليميا ودوليا، وعندما تُتوج كل ذلك باتفاقية السلام حول أفغانستان، فإنها تكون قد قدمت درسا تاريخيا، بالصمود والثبات والبذل والعطاء، ونحن على يقين بأن ما تحقق لم يكن ليبصر النور، لولا وجود قيادة رشيدة، أخذت على عاتقها حماية وطننا وقرارنا المستقل وسيادتنا وكرامتنا، ووضعت كل ذلك فوق أي اعتبار آخر.
بين «1000» يوم من الحصار، و«1000» يوم على المونديال، تكمن قصة دولة.. وصمود شعب.. وقد كتبها التاريخ بماء الذهب.
copy short url   نسخ
01/03/2020
3285