+ A
A -
يواجه السودان حاليا تحديات غير مسبوقة في تاريخه الحديث. يمكن اجمال هذه التحديات في ملفات ذات اولوية وفي مقدمتها قضيتا السلام والاصلاح الاقتصادي.
في الوقت ذاته يستشعر المراقبون أهمية المسائل السياسية المتعلقة باطلاق حوار وطني داخلي عريض لا يستثني أي طرف سياسي، وتشارك فيه منظمات المجتمع المدني، ويسهم خلاله الاكاديميون والتكنوقراط بتقديم الرؤى العاجلة المتعلقة بتسريع الاصلاحات الجذرية في المشهدين السياسي والاقتصادي.
انني اشير هنا بشكل خاص إلى ضرورة استصحاب الخطط والمعالجات والرؤى العلمية التي بمقدور الكثير من الاقتصاديين السودانيين تقديمها لمجابهة تحديات الاقتصاد كما اشير إلى ان مؤتمر المانحين المرتقب قد تأجل من مارس المقبل حتى شهر يونيو، وهو ما يعطي فرصة الآن لترتيب اولويات للخطط الشاملة للاصلاح الاقتصادي بما يحقق تطلعات الشعب بعد ثورته المجيدة التي انهت تجربة «نظام الانقاذ».
ان هنالك ادوارا مهمة تنتظر القوى السياسية خصوصا الاحزاب الكبيرة مثل حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي.
فهذان الحزبان يستذكر المراقبون دوما انهما ظلا يشكلان معظم حكومات ما بعد استقلال السودان رغم ان فترة الاحتكام إلى الديمقراطية في التاريخ السوداني الحديث ظلت فترة قصيرة بسبب وقوع انقطاع للتجارب التعددية بسبب تجارب شمولية هي تجارب حكم نوفمبر 1958 ومايو 1969 ويونيو 1989.
التجربة الشمولية الأولى استغرقت ست سنوات والثانية استغرقت ست عشرة سنة والثالثة استغرقت «30» سنة .
ان مجمل النظرات والمراجعات التي تدور في اذهان العديد من المحللين السياسيين عند مقاربة أوضاع السودان الراهنة تستحضر ضرورة النظر في ما حدث من تشتت للجهود الوطنية سواء جهود السلام أو جهود التنمية منذ عام 1956 حتى اليوم.
إن المهمة الأكثر إلحاحا - في اعتقادي - هي مهمة الحفاظ على مكتسبات عودة الديمقراطية إلى البلاد بعد ثلاثين عاما من تجربة حزب الجبهة الإسلامية القومية وهي فترة تخللتها «المفاصلة» الشهيرة بين الرئيس المعزول عمر البشير والسياسي الراحل الدكتور حسن الترابي زعيم حزب الجبهة الإسلامية القومية، وهذا هو آخر مسمى لـ «حزب الترابي» في يونيو 1989 تاريخ وقوع الانقلاب الذي اطلقت عليه الجبهة تسمية «ثورة الانقاذ الوطني». حيث نشأ بعد المفاصلة «حزب المؤتمر الشعبي» بقيادة الراحل الدكتور حسن الترابي، وكان النظام قد أنشأ حزبا أسماه «حزب المؤتمر الوطني» كرس من خلاله التفرد بالقرار السياسي والتوسع في النفوذ في كافة مجالات الحياة العامة بالسودان. و أشير ايضا في هذه المقاربة العامة حول الوضع السياسي الراهن في السودان إلى ان هنالك عدة تحديات سياسية وإعلامية وثقافية واقتصادية كثيرة تنتظر المشهد السوداني.
يستذكر المراقبون كذلك، ان تجربة «عهد البشير» - تجربة الـ 30 عاما – عرفت في بداياتها انعقاد مؤتمرات حول مختلف الشؤون ذات الاولوية في البلاد فانعقد مؤتمر الحوار السياسي والحوار من أجل السلام والحوار الاقتصادي.
لكن المشكلة كانت تكمن في ان عهد البشير كان يستند إلى خيار «الغاء دور الاحزاب السياسية».
حاليا مع عودة الديمقراطية فلابد من انعقاد مؤتمرات عديدة ضمنها – بالطبع – المؤتمر الدستوري الذي كانت حكومة السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء (وزعيم حزب الأمة القومي الجديد) في فترة الديمقراطية الثالثة (1985 حتى 1989) تعتزم عقده للبدء في مسارات جادة لمعالجة المشاكل ذات البعد التاريخي في واقع السودان.
المؤمل حاليا ان تتبلور عبر مبادرات الاحزاب السياسية – وخصوصا الاحزاب التاريخية الرئيسية وهي عديدة – رؤى واقعية تتضمن خريطة طريق لتحقيق الأهداف الكبيرة التي يتطلع الشعب السوداني إلى تحقيقها وهي أهداف استشهدت من أجلها شهيدات واستشهد من أجلها شهداء عبر الـ «30» سنة من تجربة حكم «نظام البشير».
بقلم: جمال عدوي
copy short url   نسخ
24/02/2020
1963