+ A
A -
مرت قبل يومين الذكرى 62 لحدث كان مرجواً منه أن يغير تاريخ العرب، وكان تحقيقاً لحلم راود العرب طويلاً، فقد كانوا يدركون أن تفرقهم أهم أسباب انكسارهم أمام أعدائهم، ويقرؤون التاريخ فيجدون أنهم لم يحققوا أي انتصار إلا عندما توحدوا.
في 22 من فبرايرعام 1958 تم التوقيع على اتفاقية الوحدة بين مصر وسوريا لتنشأ «الجمهورية العربية المتحدة» التي كان المتحمسون لها يأملون أن تنجح في استقطاب العرب الآخرين إلى الانضمام إليها، أو عقد اتفاقيات اتحاد في أضعف الإيمان، لكن هذا الحدث الذي انتظره الناس طويلاً لم يعش أكثر من ثلاث سنوات ونصف، وانتهى حلم الوحدة بانقلاب عسكري في سورية (الإقليم الشمالي) في 28- 9 – 1961.
بعيداً عن نظرية المؤامرة التي يروج لها الناصريون، ويتهمون الثلاثي القديم «الرجعية والإمبريالية والصهيونية» بإفشال تلك التجربة اليتيمة في تاريخنا الحديث، كانت الوحدة تحمل بذور فنائها في داخلها. كان جمال عبد الناصر قد قطع شوطاً في تدجين مصر، والقضاء على مظاهر الديمقراطية، ألغى الأحزاب وحرية الرأي والتعبير والصحافة، وتحول البرلمان إلى مجموعة من المنتفعين والمطبلين المنافقين، وكرس حكم «الزعيم الخالد» وسيطرة أجهزة الأمن على الحياة السياسية والاجتماعية، ولم تكن سورية هكذا. كان في سورية حكم ديموقراطي تعددي، وبرلمان يضم جميع الأطياف، وحرية صحافة وتعبير، وانتعاش اقتصادي ملموس.
لم يدرس أحد الفروق بين النظامين اقتصادياً وتعليمياً وسياسياً، وكانت الوحدة أشبه باجتماع زعيمي قبيلتين في العصر الجاهلي لتوحيد قواتهما في مواجهة تحالف آخر. رأى الصحفي الراحل باتريك سيل المتخصص بشـؤون الشرق الأوسط وسورية «أن جمال عبد الناصر لم يكن متحمساً لوحدة عضوية مع سورية، ولم يكن يطمح لإدارة شؤون سوريا الداخلية ولا أن يرث مشاكلها، وكان يحتاج بصورة خاصة إلى السيطرة على سياسة سورية الخارجية بهدف حشر أعدائه من الغربيين والعرب».
لا يمكن أن تعيش الجماهير على الأغاني والخطب. ربما كان ناصر قد حقق للمصريين الكثير بالتأميم والإصلاح الزراعي ونشر التعليم والنهضة الاقتصادية، وجعل الناس يسكتون عن تجاوزات الأمن وعبادة الفرد، لكنه لم يحقق شيئاً للسوريين سوى البطالة والقضاء على الحياة السياسية.
ربما كان للمؤامرات الخارجية دور كبير في القضاء على الوحدة، ولكن هذه المؤامرات لم تكن لتنجح لولا أن الحكم فتح لها ثغرات كبيرة للدخول، ويحتج الناصريون بأن من حول ناصر أساؤوا، ولكن هؤلاء صنيعته، والحاكم الفرد مسؤول عن أي خطأ حسب القاعدة التي وضعها الفاروق «لو أن شاة عثرت في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها».
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
24/02/2020
1600