+ A
A -
«إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، يخيل إليّ أحيانا أن هذه الآية من الذكر الحكيم تنطبق أكثر ما تنطبق علينا نحن السوريين، على اختلاف مشاربنا ومذاهبنا وانحيازاتنا وميولنا السياسية، فمنذ أن بدأت الثورة السورية، التي عولنا جميعا على عظمتها واستحقاقيتها، بسبب ما عاناه السوريون من قمع مديد ومن تهميش واقصاء وتجريف للمجتمع على مدى عقود طويلة، ومع كل الافتراقات التي حدثت للثورة وبها،
فإن ما طفح من المستنقع الذي كانت تعيش في سوريا، يثير العجب فعلا، فعدا عن الانقسام المهول الذي حصل بفعل الثورة، انقسامات شاقولية وأفقية دمرت بنية المجتمع السوري، التي كانت بالغة الهشاشة أصلا، على ما بدا وظهر بعد الثورة، وعدا عن كمية الحقد الطائفي المدعمة بمظلوميات تاريخية لا تستند سوى على مرويات وسرديات شعبية، يمكن بسهولة اكتشاف دور الدولة الأمنية في تكريسها، وعدا عن تكشف هشاشة الهوية السورية الوطنية، بل يمكن القول أنها تكاد تكون غير موجودة، لصالح هويات ضيقة وعصبية، ساعدت على ظهور السوريين كما لو كانوا جميعا يحلمون بالخروج من سوريا، (وهو أمر محق بطبيعة الحال لشعب يشعر وكأنه يعيش في مزرعة ويعامل بوصفه أجيرا فيها)، عدا عن كل ذلك، ثمة كمية من الكراهية والرغبة بتدمير كل ما ومن يقدم صورة أخرى عن سوريا، صورة مشرقة، بعد أن تم تنميط الصورة السورية خلال السنوات الماضية بحرب ومتطرفين ولاجئين في المخيمات، وطالبي لجوء، وطوائف وقوميات متصارعة فيما بينها.
لا بأس، كل ما سبق موجود فعلا في المشهد السوري المعتم، لكن في قلب هذا المشهد هناك صور أخرى مضيئة، أفراد يحاولون أن يقدموا شيئا آخر وأن يلقوا على سمع العالم خطابا مختلفا، يليق بالثورة السورية، ويليق بالحضارة السورية القديمة، خطاب لا يظهر عادة على وسائل الإعلام العالمي وفضائياته التي تتسابق على نقل صور الدم والموت والقهر والإذلال الذي يتعرض له السوريون، بينما يشتغل سوريون في جيوب مخفية على إظهار حقيقة الوضع السوري، دون استعراضات مسبقة، ودون كليشيهات لغوية، والأهم أنه دون استرزاق اعتادت عليه، للأسف، مؤسسات المعارضة السورية، التي كانت السباقة في تنميط مشهد الثورة السورية، وفي إعلان العداء لكل من يخالفها ويخالف ما أرادته للثورة. شتائم من كل الأنواع، واتهامات مختلفة بدون وثائق وأدلة، كثير منها شخصي، وكأن الشاتم يحتمي بها ضد من قد يعترض على شتائمه وسوقيته، على أن أكثر الشتائم والاتهامات تواترا من كانت تأتي من خلفيات إيديولوجية، ولعل ما حصل مؤخرا في حفل الأوسكار مع فيلمي (إلى سما) و(الكهف) هو مؤشر حقيقي على ما نحن فيه، كسوريين، من بؤس، فبينما كانت إحدى الفرص المهمة بعرض القضية من وجهة نظر أصحابها، بعيدا عن أي بروباغندا سياسية، كان كثر من السوريين منشغلين بأذرع المخرجة وعد الخطيب المكشوفة التي صورت وأخرجت فيلم إلى سما، وبحجاب الدكتورة أماني بللور، بطلة فيلم الكهف، اللتين كانتا موجودتان في حفل الأوسكار مع فيلميهما، في صورة جميلة عن الثورة السورية التي ضمت شرائح متنوعة من السوريين، لم يعجب حجاب أماني بعض العلمانيين السوريين، الذين اعتبروه انتقاصا من صورة المرأة السورية، بينما فتح الإسلاميون السوريون نيران شتائمهم على وعد الخطيب التي «خالفت الشريعة الإسلامية»، وأعطت صورة مغلوطة عن المرأة السورية، كما قالوا، وفي زحمة هذا الخلاف لم يهتم هؤلاء لأثر الفيلمين على رأي نخبة العالم الفنية، بما يمكنه أن يفيد القضية السورية، ولا بكيفية استثمار هذا الحدث الكبير، والأحداث المشابهة لدعم قضيتنا. لم يكن هذا مهما أمام محاولات أي الإيديولوجيات هي الأصوب.
ليس لباس السوريتين في حفل الأوسكار سوى مثل واحد عما ضيعه السوريون من فرص مهمة لدعم القضية، هناك أمثلة كثيرة ومخيفة عما يمكن للحقد والكراهية أن تفعله، مئات السوريين الذين كان يمكن أن يقدموا الكثير اختاروا العزلة بعد أن تعرضوا لحملات من الشتائم والاتهامات، خسارة الثورة السورية بنأيهم عنها تعادل خسارة سوريا أبناءها بسبب الانحيازات السياسية والطائفية، وهناك من يأتي ليقول: أن هناك مؤامرة على الثورة السورية، نعم هناك مؤامرة ولكن هل نحن كأفراد وكمجموعات لسنا طرفا بها؟!.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
19/02/2020
2040