+ A
A -
شـغـلت الأحداث المتلاحقـة حتى أهـل الراديـو (وأنا منهـم) عـن الاحتـفال باليـوم العالمي للإذاعـة في 13 فـبرايـر. لا عـتب على أبنـاء الجيـل الجديـد الذيـن لا يعـرفون إلا راديـو السـيارة. وكما لم تنتشـر الترجمات المتعددة للتلفزيون، أخفقت تسمية المذياع في الحلول محل الراديو. أما أبناء الأجيال الأقدم فلهم ذكريات كبيرة ومستمرة مع الراديو.
هـل تـتذكرون ذلك الصندوق الخـشـبي بحجم التلفـزيون (قـبل اخـتراع الشـاشـة المسـطحة) يحتل صدر المجلس؟ بل كانوا يصنعون له غطاءً من الدانتيل، ولم يكن من حق الأطفال أن يلمسوه. كان سيد المكان والزمان، نحفظ مواعيد نشرات الأخبار، ونسمعها من لنـدن والقاهـرة والإذاعة المحليـة، وحتى من «دار الإذاعـة الإسـرائيـلية في أورشـلـيم القدس» كما كانوا يعلنون، ونقـارن، ونبني تحليلاتنا وتصوراتنا، ونتحاور. نسـمع البرامج الثقافـية، حتى مناقـشـات رسـائل الدكتوراة في «البرنامج الثـاني»، نسـمع الأخبار الطريفة والغريبة من برامج «الكشـكول» وهذه كلمة فارسية، ونسمع الأغاني الجديدة وعلى رأسها الحفـل الشـهري لسـيدة الغـناء العربي أم كلثوم، بل كنا نحضر «لوازم» السهرة في ذلك اليوم. لم يكن الـراديـو متوفـراً في كل بيـت ودكان، فـإذا أذيعـت أغـنيـة جديـدة كان صاحـب الراديـو «يـرفـع» الصـوت إلى آخـره. وكنـا في آخـر الأسبوع نستمع إلى مقالة محمد حسنين هيكل «بصراحة» من صوت العرب.
وعندما اخترعوا الترانزيستور حدثت ثورة أين منها ثورة الاتصالات الآن. صـار بإمكان أي إنسـان (حتى الـراعي والفـلاح) أن يأخذ الراديـو معـه إلى أي مكان، وصار الشـاب يغـفو على الأغـنيات العاطفـيـة، أو يستجلب النوم بـ «الليل والشـعـر والموسـيقى». ميـزة الراديـو أنه لا يشـغلـك، هل يمنعك الراديو من قيادة السـيارة؟ أما التليفزيون فإنه يسـتولي على سـمعك وبصرك وعقلك.
نشـأنا على أصوات جيل عـمالقة المذيعـين، في القاهـرة ودمشـق وبغـداد وبيروت وعمان ولندن، وكانوا نجومـاً، ولن أذكر الأسماء كي لا أظلم أحداً، ومنهـم تعـلمـنا النطق الصحيح، واللغـة العربيـة، من ينسـى «قـول على قول»؟ تعلمنا أدب الحوار وأسـسه ومبادئه، وليس ما يسود برامج المقابلات الآن من هذر وتفاهة وانحطاط لغوي، وكان الراديو دليلنا إلى الشعر والشعراء. نشأنا على الطرب الأصيل والأغاني الخالدة، ولن أعدد أسماء المبدعين، فالمجال ضيق.
(يتبع)
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
17/02/2020
1964