+ A
A -
هناك دائما جوانب خفية في الصراعات والحروب الأهلية والدولية، منها ما يميط عنه التاريخ اللثام ومنها ما يظل سرا من الأسرار المثيرة، فتكثر حوله التكهنات والتحليلات السياسية ولا أحد يعرف خفاياه وأبعاده! وحتى لا نذهب بعيدا فإن ما يدور اليوم من أحداث وحروب وصراعات في الشرق الأوسط مليئة بالأسرار والجوانب الخفية والكثير منها يعجز عباقرة التحليل الاستراتيجي والسياسي عن الإحاطة به وتـفسيره!
مؤامرات ومؤتمرات وتحالفات واغتيالات وتـنازلات وعصبـيات وكثير من الخفايا التي تحيط بأحداث الشرق الأوسط خاصة الأزمات المريرة التي أعقبت الربيع العربي في اليمن وسوريا وليبيا وأزمة العراق المستمرة التي صنعها الاحتلال الأميركي القديم ونفخ فيها التمدد الإيراني الجديد!
على سبيل المثال شهدت الحالة اليمنية عددا كبيرا من عمليات الخطف والاغتيال ومحاولات الاغتيال لقادة ميدانيين من المقاومة في عدن وغيرها من المدن المحررة، ما ساعد على تحويل الأنظار إلى الحالة الأمنية في هذه المدن، وتذكر أن معركة تحرير مدينة ما قد تـنتهي بالنصر لكن الحرب الكبيرة ما زالت مستمرة! ويتم الاعلان على مدار الساعة عن عمليات خطف وتصفية واغتيال تطال عددا من الدعاة والعلماء السلفيين في حضرموت، ما يثير الكثير من علامات الاستـفهام؟ لماذا هؤلاء بالذات؟ كل هذا العبث الأمني يشير إلى وجود أصابع خارجية في اليمن تمارس عمليات خاصة لتحقيق أهداف خاصة أو تعمل على تـشكيل ميليشيات وقوات محلية تساعدها في تحقيق أهداف بعيدة المدى منها السيطرة على الأرض في مرحلة ما بعد الحرب وتهيئة الأرضية لقوى محلية أو أجنبية للتمكن من إدارة أمور السياسة على المدى الطويل!
والحال نفسه في سوريا بل إنه أكثر وضوحا من ناحية تـشكيل أو دعم قوات وميليشيات محلية لتحقيق أهداف وطموحات دولية سواء من الأزمة السورية أو من الحالة المتوقعة فيما بعد! ومن عجائب الحالة السورية أن أميركا أصبح لها ميليشيات وقادة ميدانيين على الأرض يأتمرون بأمرها يقصفون من تريد أن يُقصف ويشردون من تريد أن يُشرد ويعفون عمن تـتـفتح له عين الرضا التي هي عن كل عيب كليلة! وتـقليدا لأميركا قامت روسيا بإنـشاء وحضانة ميليشيا مقاتلة تأتمر بأمرها خاصة في المناطق القريبة من قاعدة حميميم في اللاذقية! وزادت روسيا على ذلك بتكوين ودعم مجموعات معارضة اصطناعية وتضغط الآن لمشاركة هذه المعارضة الاصطناعية في مفاوضات جنيف كممثل للشعب السوري العظيم، يا للعجب!
ومن الملاحظ في الأزمة السورية أن روسيا تعيد رسم ممارساتها التي مكنـتها من إخماد ثورة الشيشان القوية! هي الممارسات نفسها: قصف المدن وتـشكيل معارضة ودية وإشهار رجل دين (صديق) واغـتيال القادة المهمين!؟ لقد قامت روسيا مؤخرا بتجميع وإعادة إشهار مجموعة من العلماء ورجال الدين (شكلا وليس مضمونا) وتهدف لاستخدامهم كمعارضة دينية أو شيوخ دين لخدمة أهدافها وأهداف نظام الأسد الذي تدعمه بالحديد والنار ولعل هذا الدعم هو أكبر أسرار الأزمة السورية (أقصد الدعم والحماس الروسي لنظام الأسد بهذا الشكل الذي لم يخطر على بال أحذق المحللين في العلوم السياسية والاستراتيجية)!
وبذكر الاغتيالات، تـشهد الحالة السورية عددا كبيرا من الاغتيالات والتصفيات وبشكل يومي تقريبا وقد طالت العديد من القادة الميدانيين والقضاة الشرعيين وحتى المراسلين الإعلاميين. أشهر عمليات الاغتيال في سوريا هي عملية اغتيال قادة أحرار الشام ومازالت العملية سرا كبيرا من خفايا الثورة السورية! أما أحدث الاغتيالات فكانت محاولة اغتيال صوت الثورة السورية الصحفي المتنقل هادي العبد الله. والاغتيالات في سوريا سر كبير خاصة الاغتيالات العسكرية التي تستهدف قائدا ميدانيا كبيرا لإحدى الفرق أو الكيانات العسكرية الصغيرة من أجل تـفكيك هذه الفرقة التي كان يقودها وإضعافها وتـشتيت جهودها وربما توظيفها في مسار آخر لا يخدم الثورة!
في العراق الوضع مخـتلف فهناك حرص شديد على كشف بعض الخفايا والجهر بها مثل مشاركة قاسم سليماني قائد لواء القدس الإيراني في معارك الفلوجة بل إن الحكومة أصدرت بيانا أعلنت فيه عن تعيين قاسم سليماني مستـشارا عسكريا في الحكومة الوطنية! لقد أصبح (السر) في سبب إعلان مشاركة قاسم سليماني والجهر بها وليس المشاركة بحد ذاتها! وفي الحالة العراقية الكثير من الأسرار والخفايا لن تُكشف في هذا العصر فهو عصر الأصابع الإيرانية والأميركية المسيطرة التي تمسك بخيوط تماثيل المسرح وقد يأتي يوم تـظهر فيه ويكليكيس العراق وتـنـشر ما يشيـب له الولدان!
د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
28/06/2016
2944