+ A
A -
ست سنوات وما يقرب الشهرين مرت على خطف المحامية والناشطة الأشهر رزان زيتونة مع ثلاثة من رفاق نضالها في الثورة السورية: سميرة الخليل وهي ناشطة سياسية وزوجة الكاتب البارز ياسين الحاج صالح، ووائل حمادة وهو ناشط حقوقي وزوج رزان زيتونة، وناظم حمادي، وهو شاعر وناشط سياسي ومناضل في حقوق الإنسان، كان يعمل مع الثلاثة السابقين في مكتب توثيق الانتهاكات الذي أسسته رزان زيتونة في مدينة دو ما في الغوطة الشرقية بعد خروج دوما عن سيطرة النظام عام 2012 وانتقال رزان إليها.
وحاولت أثناء وجودها فيه وبالتعاون من نشطاء المدينة، التأسيس لسلطة مدنية لتكون أول تباشير الثورة السورية الشعبية التي كانت قد انطلقت قبل أقل من عام، لولا أن سيطرت «جبهة النصرة»، ولاحقا «جيش الإسلام»، على المدينة والغوطة، وحولوها من مدينة محررة من سلطة النظام إلى مدينة محتلة من سلطة عسكرية أيديولوجية وفاشية، سعت لتدمير كل مظاهر الحراك المدني فيها، ونكلت بالنشطاء والمدنيين، وبمعارضي وجودها بما يشبه ما فعله النظام السوري مع معارضيه، واحتكرت كل مظاهر الحياة لصالح أيديولوجيتها.
كما احتكرت الغذاء والدواء أثناء فترة الحصار، تاركة لأهل الغوطة أن يكونوا بين إجرامين: إجرام النظام السوري من الخارج، وإجرام عناصر النصرة وجيش الإسلام من الداخل.
كان مكتب توثيق الانتهاكات في هذه الاثناء يعمل على توثيق كل يحصل من قبل جميع الأطراف المسلحة، وهو ما لم يعجب الجميع، وكان لابد من إغلاق هذا الملف المقلق: جرت محاولات تفجيره، وتهديد العاملين فيه بكل طرق التهديد، واشتغلت اللجان الالكترونية التابعة لهذه التنظيمات على التحريض على العاملين في المكتب، مستخدمين طائفة (سميرة الخليل) التي تنتمي للطائفة العلوية كذريعة لهذا التحريض، بأكثر الأساليب والاتهامات انحطاطا وقذارة، وعندما تم استنفاذ كل الأساليب الممكنة لترهيب العاملين في المكتب دون فائدة، صحى السوريون يوم 11/‏ 12/‏ 2013 على خبر اختطاف رزان وسميرة ووائل وناظم من مكتبهم في دوما في الغوطة الشرقية، من قبل جهات مجهولة.
كانت مدينة دوما بكاملها ذلك الوقت تقع تحت سيطرة النصرة وجيش الإسلام، حيث لا يمكن لأي جهة أخرى أن تقوم بعمل كهذا، لا من داخل دوما ولا من خارجها، إلا بمعرفة وتسهيل من قبل الطرفين المذكورين، هذا في حال افترضنا جدلا أن من قام بخطف المناضلين الأربعة هي جهة مجهولة فعلا، وهو ما تم نفيه لاحقا وتحميل جيش الإسلام المسؤولية الكاملة والوحيدة عن هذا الاختطاف، كون منطقة سكن وعمل الأربعة كانت تقع تحت سيطرة جيش الإسلام، من جهة، ومن جهة أخرى قدم العديد من المنشقين عن جيش الإسلام بعد مقتل قائده زهران علوش، وحل الجيش بعد الصفقات المعقودة مع روسيا، شهادات عن مسؤولية أكبر قادة جيش الإسلام عن خطف وتغيبب رزان وسميرة ووائل وناظم. الذين أصبحت قضيتهم قضية عامة انشغلت بها الدوائرالمعنية، الدولية والعربية.
وحتى هذه اللحظة لم يعرف أي شيء عن مصير الأربعة ولا عن المكان الذي تم نقلهم إليه بعد خطفهم، حيث حصل تعتيم مريب لهذه القضية الخطيرة، رغم كل المحاولات والجهد الدؤوب لعائلات وأصدقاء وزملاء المخطوفين في كل العالم للكشف عن أي خط يتعلق بمصيرهم، تلك المحاولات التي انتهت أخيرا بإعلان السلطات الفرنسية اعتقال القيادي السابق والناطق الرسمي باسم جيش الإسلام مجدي نعمة والمعروف باسم إسلام علوش، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، حيث كان متواجدا في مدينة مرسيليا الفرنسية بوصفه (باحثا) في الشؤون السورية!.
فإذا كان اعتقال مجدي نعمة خطوة أولى في طريق تحقيق العدالة والاقتصاص من كافة مجرمي الحرب في سوريا، فإن هذا الطريق طويل وشائك جدا، لارتباط الملف السوري بملفات عربية ودولية عديدة ومتشابكة، ولتعدد الجهات التي ارتكبت الجرائم بحق الشعب، والتي كان في مقدمتها النظام السوري، بقياداته السياسية والعسكرية والأمنية، المسؤول الأول عن كل ما حصل ويحصل في سوريا، فإن أهمية اعتقال مجدي نعمة تأتي من كونه يمنح بعض الأمل في معرفة مصير المخطوفين الأربعة، كما يمنح أملا آخر في أن يكون القصاص من باقي مجرمي الحرب في سوريا قد بات وشيكا، بعد أن سيطر اليأس على السوريين من إمكانية تحصيل أقل حق من حقوقهم كشعب وهو حق العدالة الذي لن يكون سوى تعويض بسيط جدا عن ما تعرض له هذا الشعب من الفتك والقهر والإجرام.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
04/02/2020
1720