+ A
A -
هل انتهت رحلة زواج راوح بين الحب والكراهية على مدى 43 سنة؟ كثير من الشكوك ستنتاب على الأرجح قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الاوروبي بعد تعايش طويل أشبه بالمساكنة. فمن الذي سيسبق يوماً إلى عض الأصابع؟ المبادر إلى الطلاق أم الشريك الطليق؟ وهل ان عدوى الانفصال ليست خطرا يتهدد مجموعة البلدان والشعوب التي عملت بمثابرة وطول صبر على بناء هذا الاتحاد الأكبر والفسيح والمتحضر والواعد نحو المستقبل طيلة ستين عاما؟
هذه هي الليرة الاسترلينية في أوطى مستوياتها، وهذا الضغط الكبير على بورصات العالم، ناهيك عن الارتجاجات السياسية والاقتصادية على دوائر صنع القرار في دول الاتحاد الاوروبي. وبطبيعة الأمر، لم تنج لندن نفسها من هذه الارتجاجات، فهذا رئيس الحكومة ديفيد كاميرون يسارع إلى الاستقالة بعد ان أراد هو تنظيم هذا الاستفتاء على أمل ان يستقوي بأكثرية تصوت لصالح البقاء كي يضعف معارضي توجهاته الاوروبية، واذ بـ «السحر ينقلب على الساحر»! قبل عام بالتمام، وعشية الانتخابات البرلمانية وعد كاميرون الناخبين بتنظيم استفتاء على بقاء بريطانيا في الاتحاد؛ ما قام به كان عملياً بمثابة رشوة كي يضمن نجاحه. الا انه لم يتنبه إلى مجرد ان الوعد شكل إغراء جلب له مزيدا من الأصوات، فهذا يعني ان هناك أكثرية، أو أقله شرائح واسعة من الإنجليز، تعارض الاتحاد الاوروبي. هناك من يقول ان نتيجة الاستفتاء شكلت مفاجأة حتى بالنسبة إلى المطالبين بالخروج من الاتحاد.
لقد سجل هذا الاستفتاء أكثر من مفاجأة ذات دلالات هامة ولافتة، وهي ان أكثرية الشباب البريطاني ذات توجهات اوروبية ومتحمس للبقاء ضمن الاتحاد الذي نشأوا في كنفه، فيما عبر أكثرية الكبار والمسنين عن عدم حماستهم، وحتى أن بعضهم أظهر توجساً من اوروبا. وما يفاجئ أكثر هو ان هناك فئة غير قليلة تساءلت عشية الاستفتاء عن معنى الاتحاد الاوروبي، ولم تعرف كيف تصوت، ما دفع بكثيرين إلى التحرك على الفور واطلاق عريضة تطالب بإعادة الاستفتاء بلغ عدد الموقعين عليها خلال أيام قليلة نحو مليونين!
ان ما أظهرته ايضا صناديق الاقتراع من تداعيات، هو ان المملكة خرجت منقسمة على ذاتها، ليس فقط تجاه اوروبا، بل وايضا بالمعنى الجغرافي، من خلال استعداد الاسكوتلنديين للتقارب من «القارة العجوز» والخروج من المملكة عبر تنظيم استفتاء حول الاستقلال. فيما سارع تنظيم «سين فين» الجمهوري إلى المطالبة باستفتاء حول توحيد ايرلندا.
في المقابل، شجعت نتائج هذا الزلزال البريطاني زعيم حزب «يوكايب» المعادي للمهاجرين نيغيل فاراج، والذي احتل المرتبة الثالثة في الانتخابات الأخيرة، على نعي الاتحاد والاحتفال باستعادة المملكة استقلالها. كما أن من شأن هذا التطور ان يدفع ببعض الأحزاب اليمينية والعنصرية مثل «الجبهة الوطنية» في فرنسا أو «النازيون الجدد» في المانيا، واللذين يتقدمان في خيارات الناخبين، إلى المطالبة بالخروج من الاتحاد. علما ان فرنسا والمانيا، وهما من الدول المؤسسة للسوق ثم الاتحاد الاوروبي، لم تخفيا ارتياحهما لنتائج الاستفتاء، وهذا ما انعكس في البيان الذي صدر عن وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، الذين استعجلوا بريطانيا للبدء بمفاوضات الخروج، وطالبت فرنسا بتسمية رئيس وزراء بريطاني جديد.
ان خروج بريطانيا من الاتحاد وضع الغرب أمام معضلة أساسية، وهي كيفية وضع حد لظاهرة الشعبوية والتطرف والنزوع إلى الانعزال المتنامية في اوروبا.
سعد كيوان
copy short url   نسخ
28/06/2016
2419