+ A
A -
تحقيق - آمنة العبيدلي
الشيخوخة هي مرحلة من مراحل عمر الإنسان، فيها تكون قويت لديه الحكمة واكتملت الخبرة، ولكن ضعفت الصحة وانهارت القوة، لذلك يرى خبراء علم النفس أن أكثر مراحل حياة الإنسان التي يحتاج فيها إلى رعاية هي مرحلة الشيخوخة، خاصة إذا كان كبير السن مصابا بمرض عضوي يمنعه من القيام على شؤون نفسه، والرعاية هنا مقصودة بمعناها الواسع، فليست الرعاية الصحية فقط، وحدها غير كافية، ولكن الرعاية النفسية تأتي في الصدارة.
مجتمعنا القطري على المستوى الرسمي والشعبي يضع احتياجات كبار السن في مكانة إنسانية هامة، وقد صدر في قطر مع مطلع هذا العام قرار وزاري منشور في الجريدة الرسمية بشأن إجازة خاصة برعاية أحد الوالدين أو الأقارب، ويقضي القرار بمنح الموظف القطري إجازة لرعاية أحد الوالدين أو الأقارب من الدرجة الأولى المصابين بأمراض تستوجب ملازمتهم بصفة دائمة بناء على تقرير طبي.
أما على المستوى الأسري أو المجتمعي فقد قامت «الوطن» باستطلاع آراء عدد من المواطنين للتعرف على مكانة كبار السن في الضمير الإنساني لدينا، وبكل صراحة تبين من نتيجة اللقاءات أن القطريين من أوائل الشعوب التي تراعي كبير السن نفسيا وترعاه رعاية تامة انطلاقا من التمسك بتعاليم الإسلام الحديث والمشاعر الإنسانية النبيلة.

علينا دراسة احتياجاتهم جيداً
قال السيد علي المري: طرق رعاية المسنين متعددة، ولكي نستطيع تقديم الرعاية للمسنّ بالشكل الصحيح لا بدّ من التعرف على التغيرات التي تحدث له في هذه المرحلة العمرية، والحمد لله في مجتمعنا الكثير من المؤسسات التي ترشد الناس وتعلمهم كيفية رعاية المسن، بحسب التغيرات الجسدية التي تطرأ عليه، فكلما تقدم الإنسان في السن تظهر عليه تغيرات فسيولوجية، تصل في مراحلها الأخيرة إلى الضعف الجسدي، فترتخي عضلات جسده، وكذلك أعصابه، فهنا يحتاج المسنّ إلى مساعدته في قضاء حوائجه اليومية دون أن نشعره بأنه أصبح عبئا على الأسرة، لأن كبير السن يكون شديد الحساسية، فمثلا يمكن أن تهفو نفسه إلى طعام معين ولكنه يستحيي أن يقول، ويمكن أن يحب الخروج إلى مكان معين ولكنه لا يبوح بذلك حتى لا يقلق من في الأسرة، ويمكن لو كان سمعه ضعيفا يحب أن يعرف عما يتحدث الذين من حوله ولكنه يخجل أن يسألهم، وهنا على كل من في بيتهم رجل مسن أو امرأة مسنة مراعاة هذه الأمور.

إشعارهم بأنهم أصحاب الرأي والمشورة
قالت السيدة أمل النعيمي: يجب التعامل مع كبار السن بالحسنى من منطلق الواجب وليس من منطلق الإحسان إشعار المسن بأنه صاحب الرأي والمشورة، وإقناعه بأنّ هذه هي سنة الحياة وأن كل صغير سيصل هذه المرحلة، ويصبح بحاجة إلى المساعدة، وما هي إلا أدوار، فأنا أعتني بوالدي من أجل أن يعتني بي أبنائي عندما أصل لهذه المرحلة.
في الأعياد والمناسبات لابد من الالتفاف حولهم وأخذ الأحفاد ليسلموا عليهم، فالمثل يقول «أعز من الولد ولد الولد» فكبير السن يريد الشعور دائما بأنه لا يزال في دائرة الاحترام والاهتمام، فهدا كله من شأنه التخفيف عن المسنين من خلال دمجهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وتخليصهم من عزلتهم، وتقليل حدة التغيرات الاجتماعيّة والنفسية التي يمرون بها، إذ إن احترام المسن وتقديره أحد الآداب الإسلامية، فالله يُحب احترام الكبار ورحمتهم وتوقيرهم، ويثني على من يفعل ذلك، ولذلك يجب أن يرحم ضعف الكبير، واحترام شيبه، وتقدير مكانته، ورفع منزلته، وتفريج كرباته.
ويجب مراعاة التغيرات الغذائية، إذ لم يعد باستطاعته تناول كل شيء مثلما كان في شبابه، لذا علينا أن نسأله دائما عما يحب أن يأكل ونلبي له طلبه، خاصة إذا كان مصابا ببعض الأمراض، فيجب التعرف على الأطعمة التي تناسبه، والتي تحتوي على الفيتامينات، ومواد غذائية سهلة الهضم.

مراعاة حالتهم النفسية
قال السيد جابر الشاوي إن مرحلة الشيخوخة يمر بها أغلب الناس إن لم يوافه الأجل مبكرا، وليس هناك دين حث على رعاية كبار السن كالدين الإسلامي، وذلك لما يلحق بهم من ضعف، قال تعالى: «اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ» إذن عندما يعود الإنسان ضعيفاً، فيصبح بحاجة إلى رعاية من جميع النواحي، وأولها الناحية النفسية، على سبيل المثال يجب إشعاره بأنه لا يزال هو صاحب الرأي والمشورة، فلا نتجاهل رأيه في أمور الأسرة، لأن كثيرا من الناس لا يدركون أن كبير السن يريد دائما أن يشعر بأنه لا يزال له دور في الحياة، فيتجاهلون أخذ رأيه، ويفاجئونه بأنهم اتخذوا قرارات مصيرية أو هامة في أمور هو جزء منها دون الرجوع إليه.
أيضا إذا أرادوا الخروج في سهرة وليكن لتناول العشاء في أحد المطاعم أو الجلوس في الحدائق العامة أو زيارة أحد المعالم لابد أن يكون معهم فلا يتركونه في البيت بمفرده، وعلى كل من في البيت صغيرا أو كبيرا أن يشركوا كبار السن في الحديث حتى لو كان سمعه ضعيفا، لابد أن يتحدثوا في وجوده بصوت عال، ويتعلم الأحفاد احترام الأجداد وهذا من صميم الدين والإنسانية.

نوفر لهم سبل التواصل مع أصدقائهم
قال السيد حمد الشمري: تداهم مرحلة الشيخوخة الكثير من الأمراض، لأن ضعف جسم المسن يقلل من قدرته على مقاومة الأمراض، لذا يجب التعرف على الأمراض التي يعاني منها أولا، ومن ثم توفير البيئة الصحية التي تقلل من إصابته بالأمراض، وتخفف عنه الآلام، وعلينا ملاحظة أن تواصل المسن مع أصدقائه مهم جدا، فيجب توفير البيئة المناسبة لتسهيل جلوس المسن مع أصدقائه، خاصة رفاق الشباب، وتذكيره بمرحلة قوته وعنفوانه، لمساعدته على استعادة ثقته بنفسه، وأهل قطر ولله الحمد أهل لرعاية المسنين، وهذا واجب فهم أهلنا الذين ربونا صغارا وأحبونا كبارا، فلا بدّ لنا أن نكون أهلاً لذلك حتى لا نشعرهم بضعفهم وقلة حيلتهم، فأنا اليوم قوي لكن لا بد من يوم يأتي أحتاج فيه إلى من يساعدني ويساندني في ضعفي.

رعاية المسن من خصال أهل قطر
قال السيد سالم بن شافعه: يعيش كبير السن تحت ضغوط نفسية كبيرة لإحساسه بالضعف، وبحاجته إلى المساعدة والعون، وتخفيف هذه الضغوط عنه مسؤولية من حوله، عليهم أن يشعروه بأنه لا يزال كما هو المسؤول وصاحب الرأي والمشورة في العائلة، وأن يشعروه بأن هذه المرحلة من العمر من سنن الحياة، ويمر بها كل إنسان، لذلك عليه ألا يخجل من طلب المساعدة إذا أراد قضاء الحاجة أو عند الاستحمام وتبديل الملابس، وإن كان كبير السن قد دخل في مرحلة متقدمة من الشيخوخة بحيث لم يعد يعي ما حوله، فعلى ذويه انتهاز الفرصة لأخذ الأجر والثواب من الله بسبب القيام على رعايته حق الرعاية وعدم إهماله، فهو أمانة الله بين أيديهم.
وأضاف قائلا: نحن في قطر والحمد لله لدينا الوعي برعاية كبير السن، وبر الوالدين من شيم وصفات المجتمع القطري، لأننا تربينا على هذه الخصال الحميدة والسجايا الرفيعة.
copy short url   نسخ
23/01/2020
2750