+ A
A -
أتذكر أيضا أن الراحل الموسيقار السوداني محمد وردي قال في لقاء تليفزيوني معه – لقاء أجراه الإعلامي المبدع حسين خوجلي- قبل عدة سنوات انه اختلى بنفسه في ساحة خالية بقريتهم (صواردة) في الشمال السوداني.. وبدأ يغني لنفسه، قال حين أصغيت لصوتي انبهرت به.
وكان ذلك استكشافا منه لموهبته الصوتية التي صقلها – بالطبع – بالدراسة والتعلم من رواد آخرين في عالم الموسيقى والابداع الغنائي في السودان. قال وردي في ذات اللقاء انه قرر في سنوات لاحقة ان يهجر التدريس (في حقل التعليم العام) وان يتفرغ للغناء..
وأضاف: قررات ان «أدرس» على الهواء مباشرة.
عايشت الساحة السودانية إبداعات وردي في أغنياته العاطفية والوطنية معا على مدى عقود طويلة.. واعترف له الكثيرون بأنه امبراطور الأغنية السودانية.
ان مرد نجاحات المبدع تكمن في الموهبة العظيمة أولا واخيرا.. وأعتقد أن أهم ما يدركه المبدع الحقيقي دوما هو ان يحترم الجمهور.
لقد كان الراحل محمد وردي يقول إن أغنياتي تنافس بعضها.
وكان في فترة من الفترات يقدم كل شهر حفلا غنائيا في «قاعة الصداقة الشهيرة» على ضفاف النيل الأزرق قبل انحداره ليلتقي بالنيل الابيض في منطقة المقرن الجميلة بالعاصمة السودانية الخرطوم.. في كل مرة كان وردي يقدم جديدا.. كما كان يضيف الجديد إلى تجربته.. فيصطحب معه كورال «معهد الموسيقى والمسرح».. ويقدم باستمرار توزيعات غنائية جديدة لأعماله الناجحة.
ان تجربة جيل قديم من مبدعي الاغنية السودانية تستحق باستمرار ان يغترف منها النقاد تأملاتهم وخواطرهم وتحليلاتهم.
في مرحلة لاحقة أتى مبدعون جدد كثر إلى الساحة.
أتذكر ان الراحل مصطفى سيد احمد قال لنا – في لقاء معه بمنزله في امتداد الدرجة الثالثة بالخرطوم في عام 1991– انه يعلم ان في الساحة عملاقي الاغنية السودانية - وردي و«محمد الأمين» - لكنه يعتبر ان لديه ما يضيفه ببصمته الخاصة وافكاره التي تترجم مشاعر الناس. أشير إلى ان ذلك اللقاء شارك فيه مع «شخصي الضعيف» كل من: الصديق الصحفي الراحل «أسامة احمد موسى» والزميلتين الاختين المغتربتين في استراليا:«نفيسة الحاج ومنال منصور».
في ذلك اللقاء قال الراحل مصطفى سيد احمد انه لم يهتم بأن يكرر تجربة «ثنائيات فنية» بحيث يرتبط مع شاعر واحد قائلا: انني ابحث عن نصوص تعكس الواقع.
انها خواطر تلقائية جديدة اعادتني في سويعات قليلة إلى «مقرن النيلين».. وهنا اقتطف كلمات الفنان الكبير الكابلي في قصيدته الشهيرة «زمان الناس» حيث يقول: -«يشيلك شوق وسط عينين.. يوديك مقرن النيلين.. يخضر فيك عقيد ياسمين.. وتقوم شتلة محنة مثال.. قبال توتي ام خدارا شال.. عيون ام در لبيت المال».
من بين ما يتذكره جمهور الكابلي للفنان المرموق ما صرح به قبل سنوات بأنه اختار الاغتراب عن السودان ليس من أجل المال ولكن ليجرب «تجربة الاغتراب».. تلك التجربة التي عايشها سودانيون كثيرون، خصوصا منذ عقد السبعينيات.
كان حصاد كابلي بعد عودته من اغترابه لسنوات معدودة عدة اغنيات تناثر فيها وهج الأشواق للوطن السودان بين ثنايا العديد من قصائده التي تغنى بها وأعجب بها الناس سريعا.
جاءت قصيدته «زمان الناس» في مقدمة كوكبة تلك القصائد التي خطها يراع الكابلي بعيدا عن الخرطوم وعن «مقرن النيلين الشهير».
عقب تلك الأغنية جادت قرائح العديد من الشعراء بقصائد تتحدث عن الاغتراب.. كانت من بينها قصيدة للشاعر المبدع إسحاق الحلنقي تغنى بها الفنان محمد وردي.. ويقول فيها: «ياما الغربة بتتحداني وانا بتحدى الزمن الجائر لو في حبك يتحداني.. انا سافرت عشانك انتي وسبت البلد الماناسيناني».
بقلم: جمال عدوي
copy short url   نسخ
23/01/2020
1642