+ A
A -
ظلت وقائع العمل السياسي منذ استقلال السودان حتى اليوم تكشف باستمرار دروسا وعبرا كثيرة سواء فيما يتعلق بمواجهة التحديات الاقتصادية أو فيما يتعلق بالاستفادة من حراك الواقع السياسي إقليميا ودوليا ليتسنى ان يحدث استقرار سياسي بالبلاد.
لكن العديد من الباحثين ظلوا يشيرون إلى ان الواقع السوداني سياسيا واقتصاديا اتسم بحراكه الخاص الذي ارتبط بظروف السودان عبر عقود ما قبل الاستقلال.
حين بدأ مسار العمل الوطني الجديد اعتبارا من يوم رفع علم الاستقلال السوداني في اول يناير من عام 1956، واجه الساسة السودانيون تحدي كيفية معالجة «معضلة» جنوب السودان.
وحين يراجع الباحث اوراق ارشيف صحافة السودان على مدى عقود ما بعد الاستقلال فإنه سيجد ان تحدي «الحل الجنوبي» كان يرتسم في مقدمة التحديات التي تواجه الساسة.
في فترة وجيزة هي عمر التجربة الديمقراطية الأولى منذ يناير 1956 حتى نوفمبر 1958 لم يتسن حل مشكلة الجنوب.
وحين أتى «نظام 17 نوفمبر 1958» كانت لديه انشغالات ببدء اطلاق مشاريع للتنمية.. لكن ذلك النظام سقط بسبب «مشكلة الجنوب» كما هو معروف.. حيث كانت الندوة الشهيرة في جامعة الخرطوم في اكتوبر 1964 قد توجهت نحو موضوع وحيد ليناقشه مجتمع الجامعة بأساتذته وطلابه وهو موضوع «كيفية وقف نزيف الدم في الجنوب وانهاء التوتر عبر مساحة الجنوب».
ويشير الباحثون بالطبع إلى ان مشكلة الجنوب تفجرت قبل رفع علم الاستقلال وذلك في اشارة إلى التمرد الذي حدث في منطقة توريت بجنوب السودان في اغسطس 1955.
قبلها كان المستعمر قد كرس سياسة ادت إلى تعميق «جرح الجنوب» وهي «سياسة المناطق المقفولة».
حين تفجرت ثورة اكتوبر استشعر الساسة ضرورة العمل سريعا على اقرار حل ملائم ينهي التوتر في جنوب السودان.
وبنجاح الثورة في اجبار قادة نظام نوفمبر على التنحي بضغط من الجيش السوداني ولدت تجربة التعددية الحزبية للمرة الثانية واستمر العمل السياسي الحر دون قيود على الساحة السودانية حتى مجيء نظام مايو 1969. كان لافتا للانتباه ان نظام مايو توجه سريعا صوب محاولة سياسية لحل مشكلة جنوب السودان وتمثل ذلك في ما عرف بـ «اعلان التاسع من يونيو 1969» الخاص بقضية الجنوب والذي تضمن المقترح باعطاء الجنوب الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد.
ما يثير الانتباه لدى الاطلالة عبر نافذة الستينيات لاستكشاف ما حدث في بدايات نظام مايو هو ان النظام وجد نفسه سريعا يدخل في«صراع سياسي معين».. ونتج عن ذلك وقوع انقلاب التاسع عشر من يوليو من عام 1971. وتمكن قادة انقلاب يوليو من الاحتفاظ بالسلطة لمدة «3» أيام فقط.. بعدها تمكن نظام مايو من استعادة السلطة والاستئثار بها حتى السادس من ابريل من عام 1985.
في فترة نظام مايو تم التوقيع على اتفاقية اديس ابابا في عهد الامبراطور هيلا سيلاسي. ويرى محللون ان واشنطن كافأت نظام مايو بحل «مؤقت» لمشكلة الجنوب بسبب «دحره» لانقلاب يوليو «الشيوعي» القريب من الاتحاد السوفياتي السابق. حيث تم بتنسيق بين «هيلا سيلاسي» وواشنطن اقناع حركة التمرد الجنوبية آنذاك على الدخول في مشروع سلام مع الخرطوم..
{ ( يتبع)
بقلم: جمال عدوي
copy short url   نسخ
30/12/2019
1135