+ A
A -
كان الراحل المترجم « صالح علماني» انفعاليا ومنحازا وحار القلب، حتى في حياته العادية، وهو ما جعله يخوض معارك عديدة لاحقا، بعد الربيع العربي، لم يكن خوضها والدخول فيها في صالح اسمه وقيمته على الإطلاق، إذ سبب الخيبة للكثير من محبيه وأصدقائه وقرائه، بعد وقوفه ضد الثورة السورية، وإعلانه الدائم أن نظام الأسد محق بما يفعل، فهو يحارب ( إرهابيين)، ودخوله في خلافات شخصية وعامة على السوشال ميديا، مرتبطة بشكل ما بهذه القضية الكبيرة، خلافات لا تليق باسمه لكنها تدل على شخصيته الانفعالية المنحازة التي وسمت إسلوبه المتفرد في الترجمة.
أعاد رحيل علماني المفاجئ إلى السوريين خلافهم الذي بدأ منذ انطلاقة الثورة، حول فصل الموقف الأخلاقي عن العمل الإبداعي، إذ انقسم السوريون، كالعادة، عند رحيله في نعيه، منهم وجدها مناسبة لشتمه على موقفه من الشعب السوري الثائر، ومنهم من نعاه دون الاقتراب من موقفه السياسي، ومنهم من حزن عليه لأنه مات مرتين: الأولى حين وقف مع الطاغية، والثانية بموته المادي قبل أيام، ومنهم من وجدها مناسبة ليشتم معارضي الأسد من المثقفين والكتاب الذين تمنوا لو أن موقف صالح علماني من الثورة السورية كان مختلفا. على أن غالبية الكتابات عنه، حتى التي تتأسف على موقفه من الثورة، أجمعت على أن صالح علماني حالة استثنائية في عالم الترجمة الأدبية، وأنه كان السبب المباشر في اطلاع القراء العرب على الأدب المكتوب باللغة الإسبانية، وهو ما لا يمكن لأحد تجاهله أو نسيانه بسبب مواقفه السياسية وانحيازاته التي كانت مفاجئة للكثيرن، منهم نحن أصدقاءه ومحبيه الذين شتمنا مرارا على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي( فيس بوك)، بسبب موقفنا المؤيد للثورة السورية، معتبرا إيانا جزءا من المؤامرة الكبيرة على سوريا.
على أن ما يدل على انفعاليته اللحظية وردود افعاله السريعة هو موقف شخصي حصل لي معه في العام الماضي، حين كان في القاهرة بدعوة من الهيئة العامة للترجمة في قصور الثقافة، إذ اتصل بي أحد الأصدقاء المصريين ليقول لي إن هناك صديقا يريد محادثتي لأفاجأ أنه كان صالح علماني، كانت تلك المرة الأولى التي نتهاتف فيها بعد خروجي من سوريا في بداية «2012».
كان حديثه معي بالغ الود والصدق والشوق، وكأنه لم يتهمني من جملة من اتهمهم بتنفيذ المؤامرة على سوريا في منشوراته الفيسبوكية، كان حميميا مثلما هو حين كنا في دمشق، يومها قلت لصديق وأنا أخبره عن اتصال علماني: «لا يمكن لمن منحنا كل تلك المتعة بالقراءة إلا أن يكون هكذا: انفعاليا ومحبا وغاضبا حد الكراهية في الوقت نفسه، هذه صفات إنسانية رغم اعتراضي الكامل على موقفه اللاإنساني من موت السوريين»! لكن من قال إن النفس البشرية ليست بالغة التعقيد والغرابة في انحيازاتها كلها؟!.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
13/12/2019
2025