+ A
A -
حوالي مائة رواية وكتاب كانت جزءا من الوعي الأدبي والجمالي لأجيال عربية عدة، حملت توقيع صالح علماني، المترجم الشهير الذي سمي بجسر الثقافة بين اللغتين الإسبانية والعربية، كل الذين قرأوا ماركيز وايزابيل الليندي وبارغاس وساراماغو وميندوثا واستورياس وغاليانو، وآخرون كثر من إسبانيا وأميركا اللاتينية، قرأوها بترجمة صالح علماني، المترجم الفلسطيني الذي ولد في مدينة حمص السورية،
في أحد المخيمات الفلسطينية فيها عام 1949، لتبدأ مسيرة حياته التي انتهت قبل أيام في إسبانيا عن سبعين عاما، بعد رحلة حياة، لم تكن سهلة على الإطلاق، لكنها كانت غنية بما قدمته للقارئ العربي من متعة مذهلة لا يمكن لمن تذوقها نسيانها أو التعامل معها ومع مسببها بحياد، إذ أصبح اسم صالح علماني، مع الزمن، ضمانة لأي كتاب أو لأية دار نشر تنشر له ما يترجمه.
يكفي أن نقرأ اسم صالح علماني على كتاب مترجم، حتى نجهز أنفسنا لساعات من الجمال والمتعة.
ليس فقط لأنه كان يختار ما يريد ترجمته بعناية فائقة، بل أيضا لأسلوبه الفريد في الترجمة، والتي تؤكد نظرية أن المترجم هو كاتب آخر للنص أو للعمل الذي يترجمه، خصوصا في ترجمة الأدب الذي يحتاج أولا إلى تذوق خاص، وإلى فهم لروح اللغة التي يترجم منها، وإلى تقمص عوالم كتاب تلك اللغة، وهو ما أتقنه صالح علماني بشغف مهول، وأظن هذا ما جعله يبتعد عن ترجمة الأعمال الفكرية أو الفلسفية، التي لا تحتمل مثل هذا الشغف، بل تحتاج عقلا باردا وقلبا محايدا ولغة حرفية إلى حد ما، بينما كان علماني انفعاليا ومنحازا وحار القلب، حتى في حياته العادية، وهو ما جعله يخوض معارك عديدة لاحقا، بعد الربيع العربي، لم يكن خوضها والدخول فيها في صالح اسمه وقيمته على الإطلاق، إذ سيبب الخيبة للكثير من محبيه وأصدقائه وقرائه، بعد وقوفه ضد الثورة السورية، وإعلانه الدائم أن نظام الأسد محق بما يفعل، فهو يحارب( إرهابيين)، ودخوله في خلافات شخصية وعامة على السوشال ميديا، مرتبطة بشكل ما بهذه القضية الكبيرة، خلافات لا تليق باسمه لكنها تدل على شخصيته الانفعالية المنحازة التي وسمت إسلوبه المتفرد في الترجمة.
أعاد رحيل علماني المفاجئ إلى السوريين خلافهم الذي بدأ منذ انطلاقة الثورة، حول فصل الموقف الأخلاقي عن العمل الإبداعي، إذ انقسم السوريون، كالعادة، عند رحيله في نعييه، منهم وجدها مناسبة لشتمه على موقفه من الشعب السوري الثائر، ومنهم من نعاه دون الاقتراب من موقفه السياسي، ومنهم من حزن عليه لأنه مات مرتين: الأولى حين وقف مع الطاغية، والثانية بموته المادي قبل أيام، ومنهم من وجدها مناسبة ليشتم معارضي الأسد من المثقفين والكتاب الذين تمنوا لو أن موقف صالح علماني من الثورة السورية كان مختلفا. على أن غالبية الكتابات عنه، حتى التي تتأسف على موقفه من الثورة، أجمعت على أن صالح علماني حالة استثنائية في عالم الترجمة الأدبية، وأنه كان السبب المباشر في اطلاع القراء العرب على الأدب المكتوب باللغة الإسبانية، وهو ما لا يمكن لأحد تجاهله أو نسيانه بسبب مواقفه السياسية وانحيازاته التي كانت مفاجئة للكثيرن، منهم نحن أصدقاءه ومحبيه الذين شتمنا مرارا على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي (فيس بوك)، بسبب موقفنا المؤيد للثورة السورية، معتبرا إياناجزءا من المؤامرة الكبيرة على سوريا.
على أن ما يدل على انفعاليته اللحظية وردود افعاله السريعة هو موقف شخصي حصل لي معه في العام الماضي، حين كان في القاهرة بدعوة من الهيئة العامة للترجمة في قصور الثقافة، إذ اتصل بي أحد الأصدقاء المصريين ليقول لي أن هناك صديق يريد محادثتي لافاجئ أنه كان صالح علماني، كانت تلك المرة الولأولى التي نتهاتف فيها بعد خروجي من سوريا في بداية «2012».
{ ( يتبع)
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
10/12/2019
1822