+ A
A -
على أحد القنوات العربية يُبث برنامج اسمه الصدمة، معرب عن النسخة الأجنبية من نفس البرنامج «كيف ستتصرف؟».
في هذا البرنامج يتعرض الضيوف لمواقف اجتماعية وإنسانية مختلفة، ويقيس من خلال هذه المواقف مدى تفاعلهم وردات أفعالهم تجاهها. اللمسة المضافة على هذا البرنامج في نسخته العربية، هي أن هذه المواقف يتم تسجيلها في دول عربية متعددة. نفس الموقف يتم تسجيل ردة فعله المختلفة في أكثر من دولة عربية، وهنا كانت الصدمة الحقيقية، صدمة خارج الصدمة، خارج البرنامج، مما يمكن اعتباره قيمة مضافة- وإن كانت سالبة- للبرنامج نفسه؛ صدمة التباين الواضح بين ردود الأفعال أمام تلك المواقف بين دولة عربية ودولة عربية أخرى، إذ بينما تم التفاعل في بعض البلدان العربية مع تلك المواقف بشكل إنساني وحضاري متميز، نجد بلدانا عربية أخرى تصرفت تجاه ذات المواقف بطريقة بعيدة عن أي حس إنساني أو حضاري، وهنا ظهرت ردود الأفعال الصاخبة والرافضة والمقارنة من قبل متابعي حلقات هذا البرنامج، وفاضت وسائل التواصل الاجتماعي بسيول من المقارنات والشتائم والاتهامات المتبادلة والتفضيلات الشعوبية، المدعومة بحقائق- مفترضة- قدمها البرنامج على طبق من ذهب، مما يعبر عن صدمة حقيقية أكثر من تلك التي قدمها البرنامج أو خطط لها، صدمة تتعلق بردات الفعل وطريقة التعبير عنها من خلال هذه الشبكات، لم يتم مثلا نقاش تلك المواقف على أنها مواقف خاصة وفردية، ولا يمكن بحال أخذها على أنها تعبير عن مزاج عام أو تصرف يمثل كافة أفراد المجتمع، لم يتم مناقشة أحقية البرنامج في تعريض- دون إرادة أو موافقة- أولئك الأفراد المختارين لهذه المواقف، لم يتم النقاش حول تفكيك تلك المواقف بشكلها المجرد، وعن الأسباب الثقافية أو التربوية التي ساهمت في ظهورها، كان النقاش فقط حول الإشارة التي تسم مجتمعا كاملا بتصرف أحد أفراده بشكل لا أخلاقي أمام موقف أو آخر من هذه المواقف، وتعميم هذا الموقف كطابع عام لكل أفراد ذلك المجتمع.. مما يدفع أفراد ذلك المجتمع للدفاع عن أنفسهم وعن أخلاقياتهم المتهمة، وهكذا دار السجال، ولا يزال يدور.. مما يدل على أن هذا البرنامج نسخة عربية بالفعل، نسخة تنم عن الحالة الثقافية والطريقة العربية في التلقي، تلك الطريقة التي لا زالت مصبوغة بطابعها القبلي العتيق، في التفاخر والمباهاة بالأصل والانتماء والعرق، ورد ما يظهر بجلاء أنه نتاج ثقافي أو تربوي، إلى جذور عرقية وجينية لا صلة لها بالموضوع.. أخذ المواقف من طابعها الإنساني والبشري الذي كان من المفترض أن ترتهن له، وتحاكم وتُنتقد على أساسه، إلى منطقتنا ومنطقنا العربي في التفاخر بالأصل الحاكم، والطبيعة المتحكمة في مثل هذه المواقف وردود الأفعال، مما قاد في النهاية إلى مزيد من العصبية الشعوبية، والتفرقة الاجتماعية، التي لم تكن بحاجة إلى ما يعوزها في هذا الاتجاه. وعلينا، ومع كل ما يقال عن البرنامج من أن مواقفه تلفيقية ومفبركة، وأن مشاهده تمثيلية في أغلبها، ما يقال عن قصديته وانتقائيته، علينا مع كل هذا، ومن خارج البرنامج نفسه، أن ندرس هذه الطريقة العريبة في التلقي، وإلى إشاراتها الواضحة.
بقلم : ضيف فهد
copy short url   نسخ
26/06/2016
2383