+ A
A -
تقع مقابلة نشرت منذ أشهر مع كاتب عربي مهم على موقع عربي، بعد ترشحه لنيل جائزة أدبية مهمة في أميركا، تقع في يد أحدهم، فيشاركها على صفحته على الفيسبوك دون التنويه إلى تاريخ المادة، العنوان الذي اختارته الجريدة للمقابلة هو التالي: (أول عربي يترشح لجائزة نوبل الأميركية)، وهو عنوان مثير حقا، لكنه مراوغ، إذ هو مأخوذ من متن الحوار، حيث يقول الكاتب: إن هذه الجائزة في أميركا تعادل نوبل، فاستخدم المحرر الجملة كما قالها الكاتب، ليبقى العنوان مراوغا، وناقصا حين تتم قراءته دون فتح المقال كاملا.
وكالعادة تم تناقل المادة منذ عدة أيام على صفحات الفيسبوك، وتهنئة الكاتب على إنجازه الفريد، حسب المهنئين، حتى امتلأت صفحته بالتهاني، وصار حديث الفيسبوك السوري والعربي قبل أيام، هو ترشح كاتبنا لجائزة نوبل بوصفه أول كاتب عربي يترشح لها، أو يصل إلى هذه المرتبة الأدبية الرفيعة، علما أن الكاتب نفسه كان قد أعلن قبل أشهر عن وصول روايته للقائمة الطويلة في هذه الجائزة، وبعد ذلك هنأ الفائزين بها، قائلا إن وصول روايته إلى القائمة الطويلة هو بحد ذاته ربح ووسام، وهو محق بذلك دون ريب، وأثناء ذلك تلقى آلاف التهاني من أصدقائه ومتابعيه وقرائه، وهو أمر طبيعي، خصوصا أن الفيسبوك في عصرنا هذا بات بديلا للتواصل المادي، في الأفراح والأحزان والمناسبات الشخصية والعامة، لاسيما في حالتنا السورية، حيث السوريون ينتشرون في أرجاء كوكب الأرض، وحيث صار لم شمل العائلة الواحدة أو الأصدقاء القدامى شبه مستحيل، فصار الفيسبوك هو المكان الوحيد للم شمل المشتتين.
على أن الحدث الأخير عن صديقنا الكاتب، كشف أمرا غاية في الأهمية عن العلاقة مع أخبار الفيسبوك وطريقة قراءة هذه الأخبار وطريقة تناقلها، إذ لم يلتفت أحد إلى تاريخ الحوار المنشور، نقلوه بوصفه حدث أمس، ولم يتذكر أحدهم، أنه كتب له تهنئة قبل شهرين عن نفس الخبر، والأهم أن لا أحد منهم فتح الحوار وقرأه فلو أن أحد فعل ذلك لكان انتبه إلى صفة ( الأميركية) التي تلت (نوبل)، ولما كان هنأه بوصفه مرشحا لنوبل إياها! أما الخطير في الأمر فهو الجهل التام أو التجاهل لتاريخ جائزة نوبل، مع أن معظم من هنأ كاتبنا لمجرد قراءة عنوان الحوار، من السوريين تحديدا، لديهم وصلة فيسبوكية سنوية مع نوبل وأدونيس، الشاعر العربي المرشح لنوبل أكثر من مرة، حيث يعتبر السوريون أن أدونيس لا يستحق نوبل، بعد أن وقف ضد ثورة شعبه! كما أن نوبل مرتبطة في الوعي الجمعي العربي بنجيب محفوظ الذي حصل عليها عام 1988، ليكون أول كاتب عربي ينالها في فرع الآداب والفنون، بينما هناك أكثر من عربي حصل عليها في الفروع الأخرى، طبعا لا نريد هنا الخوض في شروط الجائزة التي لا ينطبق خبر ترشح رواية صديقنا الكاتب عليها، وهو ما يشي أن لا أحد مهتم بمعرفة ما يجب معرفته عن الجائزة.
يثبت هذا الإشكال الذي حدث بخصوص الجائزة ما كرسه التعامل اليومي مع وسائل التواصل الاجتماعي، ومع الفيسبوك على وجه الخصوص، من استسهال لنشر أي خبر دون التأكد من صحته، ومن نسب أية مقولة إلى أي كان دون محاولة التحليل أن هذا القول (الساذج) يمكن فعلا لمبدع كبير أن يقوله! إذ تمتلئ صفحة التايم لاين بأقوال منسوبة لكتاب ومبدعين عرب وأجانب، لا يمكن بحال من الأحوال أن ينطق بها أحد هؤلاء لفرط سذاجتها وميوعتها، ونبه هذا الإشكال أيضا إلى شكل القراءة الحالية لكثير من رواد الفيسبوك، حيث قراءة العناوين دون المتون هي مصادر سريعة، وتكاد تكون وحيدة، للمعلومات، وعناوين الصحافة غالبا ما تكون مراوغة وإشكالية ولا تعبر حقيقة عن متن المقال أو الحوار أو النص المرفق تحتها، كما كرس التعامل مع وسائل التواصل، ما يتعارف عليه باسم (غريزة القطيع)، حيث ينساق كثر لتناقل نفس الخبر أو التهنئة أو النعي دون التدقيق فيه أولا، ففجأة سنقرأ نفس العنوان تحت أسماء مئات المشتركين في الفيسبوك، ليختفي العنوان بعد يوم من صفحاتهم جميعا بعد أن ينبه أحد أنه خاطئ أو أنه وهمي!
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
03/12/2019
2209