+ A
A -
قبل أيام كنت أشتري بعض الحاجيات من «سوبر ماركت» صغير قريب من بيتي في القاهرة حيث أعيش، صاحب السوبر الماركت يعرف أنني «شامية» والشوام بالنسبة للمصريين هم سكان بلاد الشام جميعا، سوريا ولبنان والأردن وفلسطين «رام الله والضفة»، وهذا ما جعله يسألني عن الوضع في لبنان حاليا، وما الذي يدفع الناس للتظاهر، وهل أنا مع ما يحدث أم ضده،
كان يسألني وهو واثق بأنني لبنانية، وبعد أن أجبته عن أسئلته، وأنني حتما مع التظاهر ضد النظام الطائفي المافياوي في لبنان، قلت له: ولكن بالنهاية أنا ورأيي لا يقدم ولا يؤخر بما يخص الوضع اللبناني، عندها قال لي «حضرتك بتهزري، حضرتك لبنانية يا أستاذة هو إحنا مش عارفينك يعني بقالك عندنا مدة طويلة»، قلت له: ولكنني سورية مع ذلك.
لا يستطيع المصريون، إلا القلة القليلة، التفرقة بين اللهجات «الشامية» ومعهم حق في ذلك فهي متقاربة إلى حد كبير، كما أن للسوريات حاليا في مصر شكلا مميزا، يعرفهن المصريون من شكل حجابهن ومن المانطوه الذي تلبسه السوريات المحجبات، بينما اللبنانيات في الوعي المصري، والعربي عموما مموضات ومتباهيات بزينتهن وملبسهن، أحكي طبعا عن عموم المجتمع لا عن النخب المصرية التي تعرف جيدا طبيعة مجتمعات بلاد الشام ومافيها من تنوع عرقي وديني وطبقي، هذه النظرة النمطية عن السوريات تجعل الكثير يعتقدن أنني لبنانية، وهذا ما تفاجأت به مؤخرا، بعد الانتفاضة اللبنانية وما يحدث من ثورة تذهل الجميع بجمالها، إذ كل يوم تقريبا يوقفني أحد «الجيران» في المنطقة التي أعيش فيها ليسألني عن حال لبنان وما يحدث هناك، وعن أخبار عائلتي في لبنان، وحين أجيبهم أني سورية ولست لبنانية يشعرون بالصدمة مثل صدمة صاحب السوبر ماركت، إذ لي في «الحارة» التي أسكن بها سبع سنوات وقلة منهم فقط من يعرفون أنني سورية!
وللحقيقة أنا أيضا أصبت بالصدمة، إذ لم أنتبه يوما للتنميط المفروض على السوريات، والذي عزيته إلى سببين رئيسيين: مسلسل باب الحارة الذي داعب وجدان المجتمعات العربية الذكورية، التي ترى في المرأة مجرد شيء يملكه الرجل ويتصرف به ويشكله كما يريد، المرأة الخاضعة الخانعة، التي لا هم لها سوى إرضاء زوجها، والتي لا تظهر وجهها إلا له وللنساء القريبات، التي تعيش في مجتمع «الحريم»، ولا تخرج منه إلا للقبر، وهو ما لا يوجد في المجتمع السوري أصلا، حتى في البيئات المتشددة دينيا! والسبب الثاني، هو أن غالبية السوريين الذين قصدوا مصر في 2012، وهي السنة التي هاجر منها العدد الأكبر من السوريين، هم من المناطق التي تعرضت لعنف النظام وإجرامه، وهي أساسا المناطق التي طالما تعرضت للتهميش التنموي والاقتصادي والفكري والعلمي، وتركت مكشوفة هكذا، بحيث لا يوجد غير التمسك بالدين والغيب يحمي من الخضات النفسية الكبرى التي يسببها الفراغ الروحي والفكري، ومع عمق إجرام الدولة المنظم الذي تعرضت له هذه المناطق، إثر خروج سكانها بمظاهرات تطالب بالعدالة السياسية والاجتماعية وتهتف للحرية والتغيير.
كان التشدد هو الرد الوحيد الذي يملكه سكان هذه المناطق والمدن، خصوصا مع الطريقة المذهلة في الاستفزازات المذهبية التي مارسها جنود الأسد وشبيحته ضدهم، إثر اقتحام مناطقهم واعتقال الكثير من الثوار والناشطين هناك.
على أن الملبس الذي تعرف به السورية في مصر، ليس سوى مظهر خارجي لا يعكس حقيقتها كامرأة مناضلة ومقاومة لكل ظروف القهر والتشرد واللجوء، فمعظم النساء السوريات في مصر وجدن سبلهن الخاصة للحياة الكريمة دون احتياج أحد، وبما يحفظ كرامتهن من الإذلال، وهو ما نعرفه جميعا، نحن الذين نعيش في مصر، مثلما يعرفه المصريون جيدا أيضا، والحال أنه رغم أن هناك عسفا حقيقيا في التنميط الممارس على المرأة السورية وشكلها، يصاحبه خيبة من جهل الشعوب العربية لبعضها البعض، ومن عدم إدراك طبيعة التنوع في المجتمع السوري، ومجتمع بلاد الشام، عموما، لدى باقي العرب، فإنه يمكنني القول في كل مرة أكتشف هذا التنميط: وأين المشكلة؟ّ ليروا بالسوريات واللبنانيات وغيرهن ما يرون، فالمهم أن نساء المشرق، العربي والفارسي، يثبتن اليوم حضورهن ودورهن كل لحظة، وما اللباس وصورته والفكرة عنه سوى لحظة من الزمن، لا تعبر عن أية حقيقة، سوى حقيقة واحدة: أن هذه الحدود المادية والنفسية الموضوعة في طريق النساء سوف تزول قريبا، لتصبح المرأة حرة بما تختار لشكلها وملبسها وحياتها.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
27/11/2019
1826