+ A
A -
تصريحات ومواقف صادرة من واشنطن تجاه الخرطوم جعلت عددا من المراقبين يتوقعون حدوث اختراقا كبيرا في العلاقة بين البلدين. لم يعد خافياً الضغوطات التي ظلت تمارسها الإدارة الأميركية في الفترة الاخيرة على الحركات الحاملة للسلاح ضد حكومة الخرطوم. قبل ايام اعلنت الولايات المتحدة الأميركية رفضها للعمل المسلح في السودان وطالبت الحركات بوضع السلاح والجلوس إلى طاولات التفاوض عبر التوقيع على خريطة الطريق الصادرة من الالية الافريقية برئاسة ثامبو مبيكي. دونالد بوث، المبعوث الأميركي للسودان، أرسل دعوةً غير رسمية إلى قادة المعارضة (المهدي وعرمان وعقار ومناوي وجبريل)،حضروا جميعا إلى اديس ابابا ولم يصلوا إلى شيء ذي بال.
ونفس المبعوث كان قد زجر جميع قيادات المُعارضة، في اجتماع باريس الأخير، بلُغة حاسمة قائلاً: (فشلنا في لَمِّ شملكم، وهذا آخر اجتماع نساعد في تنظيمه، كما إن الحكومة السودانية اتخذت خطوة مُهمَّة بالتوقيع على خريطة الطريق).
وأضاف بحدة: (عليكم أن تذهبوا الآن، وتبحثوا عن أمبيكي أينما كان، والتوقيع على الخريطة).
المُجتمع الدولي في مقدمته الولايات المتحدة الأميركية هذه المرَّة حريصٌ على إنهاء بؤر الحرب والنزاع المُتعدِّدة في السودان، وإغلاق الباب أمام أيِّ مسعىً لخلق حالة اضطراب في هذا الوطن ذي التأثير البالغ على الأوضاع في المنطقة العربية والإفريقية.
الآن في أولويات القوى الدولية مشاريع مكافحة الإرهاب، ومنع تدفقات المهاجرين إلى الدول الغربية، مقدمةٌ على أي قضايا أخرى.
رغم هذه المؤشرات الايجابية الا ان جهات نافذة في الحكومة السودانية لا تثق في الوعود الأميركية سريعة الذوبان،الوعود بالتطبيع الكامل ورفع العقوبات.
صحيح أن علاقة واشنطن بالخرطوم مرت بمتغيرات عديدة حيث انتقلت من السعي للإسقاط عبر الدعم العسكري لدول الجوار لإسناد الحركة الشعبية بقيادة الراحل دكتور جون قرنق، في عمليات عسكرية شرسة، أطلق عليها الثعلب الأسود والأمطار الغزيرة، وعبر فرض العقوبات الاقتصادية، إلا أن السياسة انتقلت في عهد جورج بوش الابن وبعد أحداث 11 سبتمبر إلى محاولة الاحتواء والتفاهم والتعاون الأمني في مقابل حزمة وعود زئبقية، وضعت على طاولة متحركة!
ولا تزال الخرطوم إلى اليوم تشعر بخيبة أمل وحسرة في أنها قدمت أغلب الممكن وبعض المستحيل ولم تحصل على شيء من واشنطن.
تلقت الخرطوم وعداً من الإدارة الأميركية برفع العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، إذا قامت الخرطوم بالتوقيع على اتفاقية سلام مع المتمردين في الجنوب.
تم توقيع اتفاقية السلام في 2005 مع الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق في ضاحية نيفاشا بكينيا، ولم تنفذ واشنطن ما وعدت به!
طالبت واشنطن الخرطوم بالتوقيع على اتفاق سلام مع المتمردين في دارفور مقابل رفع العقوبات.
وقعت الخرطوم على اتفاق مع أقوى فصائل التمرد في دارفور، تم ذلك بالعاصمة النيجيرية أبوجا، بحضور دولي كثيف، تقدمه ممثل الولايات المتحدة الأميركية روبرت زوليك، ومع ذلك لم تف وأشنطن بوعودها.
وعندما ألحت الخرطوم في المطالبة بتنفيذ الوعود المعلقة، رهنت واشنطن الأمر -للمرة الثالثة- بالتطبيق الكامل لاتفاقية نيفاشا.
وبعد الاستفتاء وانفصال الجنوب تقدمت الخرطوم نحو الطاولة، فإذا بها تتحرك مرة أخرى إلى الخلف، لأن واشنطن طالبتها بالاعتراف والتعاون مع الدولة الجديدة!
كل المعطيات تقول إن التطبيع الكامل بين الخرطوم وواشنطن في الوقت الراهن، مُهمَّة شبه مستحيلة.
مرد ذلك أن العداء للحكومة السودانية أصبح في أميركا ضمن قضايا الشأن الداخلي، حيث تعتبر الحملات الدعائية التي صاحبت قضية دارفور هي الأقوى في تاريخ أميركا منذ انتهاء حملات الأبارتيد في جنوب افريقيا.
أقصى ما يمكن أن تناله الدبلوماسية السودانية، في أعلى درجات نجاحها، لا التطبيع الكامل مع واشنطن؛ بل كف الأذى والتعاون في ملفات مشتركة تحقق مصالح للطرفين.
بقلم : ضياء الدين بلال
copy short url   نسخ
26/06/2016
1633