+ A
A -
الرحلة مع الكلمات قراءة وكتابة تحمل نقاطا ثرية تصلح لابتدار كتابات جديدة في كل مرة يكون فيها المزاج لاستعادة ملامح الأزمنة القديمة متوهجا.
دون سابق ترتيب، أجد نفسي مستعيدا لمجموعة من الخواطر والمشاعر والأفكار، متأملا في ثنايا تفاصيل الأمس بكل ما يحمله من ذكريات لا يمل القلب من استعادتها بين الحين والآخر.
وبدأت في تدوين تلك الخواطر بشكل تلقائي، بعد ان قيدت نقاطا جوهرية لتذكر ملامح من الزمن القديم أكثرها هي ملامح تتعلق بقضايا الثقافة، من خلال قراءات لإبداعات قديمة أو عبر لقاءات أتاحتها الظروف مع أسماء متوهجة في سماء الإبداع عبر سنوات خلت.
في العام 1981 أتاحت لي فترة الالتحاق بقسم الاجتماع في كلية الآداب في «جامعة القاهرة – فرع الخرطوم» التي اشتهرت انذاك باسم معين هو «جامعة الفرع»، تلك الفترة الدخول دون ترتيب إلى واقع ثقافي متميز.
داخل الجامعة التقيت لأول مرة بأحد أهم مبدعي الشعر السوداني، وهو الشاعر محمد نجيب محمد علي خريج «آداب -فلسفة».
وتمر أعوام لاعمل صحفيا بقسم التحقيقات في جريدة الجريدة حيث ترأس نجيب ذلك القسم.
وأجد نفسي رفقة زملاء كثر نقترب من واقع الثقافة الخرطومية، والامدرمانية خاصة والثقافة السودانية عامة، عبر ابداعات نجيب وعلاقاته بأهل الابداع من امثال الشاعر المرموق التجاني سعيد صاحب احدى اشهر اغنيات الفنان الراحل محمد وردي وهي اغنية (قلت ارحل) وصاحب الديوان الفلسفي «قصائد برمائية».
النقاشات الثقافية التي عايشها جيلنا بقرب محمد نجيب محمد علي كشاعر وناقد متميز، وبجانبه كثير من مبدعي تلك السنوات، اعطتنا احاسيس وافكارا نادرة، ظللنا ننصت بعمق لتجارب مبدعي تلك السنوات المضيئة.
من بين إبداعات صحفية فريدة لمحمد نجيب، تحريره لصفحة بعنوان (تفاصيل يوم عادي جدا) يحكي فيها عن واقع السودان سياسة وثقافة واجتماعا واقتصادا.
تلك الصفحة ولدت ضمن إبداعات متميزة كثيرة في صحيفة (الجريدة) التي صدرت في عام 1987 ثم أغلقت ابوابها في ابريل 1988 إثر اضراب لجميع الصحفيين والصحفيات فيها آنذاك، وذلك احتجاجا على محاولات لإبعاد تلك الصحيفة عن الاستقلالية.. وتلك قصة اخرى.
لم يكن غريبا ان يعمل نجيب مع الاستاذ هاشم كرار الذي كان مديرا لتحرير تلك الصحيفة ومنحها عبر نبض كتاباته الصحفية عالية الإبداع تميزا كبيرا.
في تلك الفترة حققت صحيفة الجريدة بفضل انسجام طاقمها الصحفي من الصحفيين والصحفيات اعلى معدلات التوزيع عبر منافستها لصحف تلك السنوات (سنوات عرفت باسم سنوات الديمقراطية الثالثة)، نسبة إلى فترة استعادة النظام الديمقراطي عقب انتفاضة مارس ابريل من عام 1985.
حين وجد «طاقم الصحيفة» ان الصحيفة قد توقفت، كان من التلقائي ان يتجمع الصحفيون والصحفيات من اسرة صحيفة الجريدة يوميا في مقر نقابة الصحفيين بشارع المك نمر في قلب الخرطوم.
ضمت اسرة «الجريدة» وقتها إلى جانب مدير تحريرها هاشم كرار اسماء متميزة في واقع الصحافة السودانية في الثمانينيات. اتذكر من الزملاء والزميلات في تلك الفترة على سبيل المثال لا الحصر: الراحلون عبدالواحد كمبال وسامي سالم، والزملاء الأساتذة: مرتضى الغالي، نجيب نورالدين، عثمان عابدين، احمد نصر، ابراهيم على ابراهيم، فتح الرحمن النحاس عمر كرار، عزالدين صغيرون.
عثمان كباشي، عادل بشرى، ابراهيم العجب، عادل ابوحراز، عبدالله الشيخ،، زكريا حامد، والزميل دفع الله.
والزميلات الاستاذات: مريم محمد عثمان وسوزان صالح كاشف وحنان عثمان وهويدا سليم، وعواطف وعواطف.
تحول مقر نقابة الصحفيين في ايام الديمقراطية الثالثة، إلى مكان لحوارات يومية متميزة تحت ظلال اشجار ذلك المبنى الجميل.
بقلم: جمال عدوي
copy short url   نسخ
25/10/2019
1554