+ A
A -
حسان يونس
كاتب سوري
يُستخدم مفهوم الدولة العميقة لوصف أجهزة حكم غير منتخبة تتحكم بمصير الدولة كالجيش والأمن وبعض المؤسسات البيروقراطية المدنية، وبطبيعة الحال فإن محاولة توصيف نظام الحكم في لبنان بالدولة العميقة لا ينطبق عليه هذا التعريف من الناحية الشكلية، فهناك انتخابات، والجيش مهمته حماية الوطن، وهو يأتمر بأوامر السلطة السياسية.
ومع ذلك فإن ما يحكم لبنان اليوم هو الدولة العميقة ممثلة بأحزاب طائفية بيدها وحدها مقدرات الوطن، بغض النظر عن الآليات الديمقراطية التي تكاد تكون صورية ولا تعبر عن إرادة حقيقية للشعب اللبناني.
هذا ما أفرزته المظاهرات الحالية في لبنان، حيث ثار الجميع ضد دولة الطوائف بعد الحالة الصعبة التي آل إليها الوضع في هذا البلد، الذي كان نموذجا في بناه التحتية، وصرحا شامخا من صروح التعليم والعلاج والثقافة والفن والإعلام والاقتصاد.
يريد اللبنانيون وخاصة فئة الشباب منهم، نظاما سياسيا مختلفا لا مكان فيه للمحاصصة الطائفية، على اعتبار أن من شأن ذلك وحده قطع دابر الفساد والمفسدين، وإقامة نظام ديمقراطي حقيقي يلبي تطلعات الشعب وينهض بهذا البلد من قلب رماد الطائفية البائسة.
تنص المادة «21» من الدستور اللبناني على أن لكل مواطن لبناني بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة كاملة الحق في أن يكون ناخباً على أن تتوفر فيه الشروط المطلوبة بمقتضى قانون الانتخاب.
وهذا يعني أنه لا يحق للمواطن اللبناني الذي يتمتع بكافة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية أن يقترع ويشارك بالعملية الانتخابية إذا لم يكن قد أتم الـ«21» من عمره على الرغم من أن حق الانتخاب هو من الحقوق السياسية الاساسية المضمونة بموجب المواثيق الدولية ودساتير الدول وقوانينها.
لقد جرت العديد من المحاولات لخفض سن الاقتراع القانونية من «21» إلى «18» سنة باءت جميعها بالفشل.
المعارضون لخفض سن الاقتراع يرون أن الشباب لا يعون تماما مسؤولياتهم تجاه ما هم مرشحون على الإقدام عليه، واليوم ونحن نرى أن الشباب تحت سن الـ«21» يشكلون أغلبية المحتجين، ندرك أن القصد من معارضة خفض سن الاقتراع هو عدم تمكن الطائفية والمذهبية بعد من عقول هؤلاء، وبالتالي فإنهم ربما يقترعون بعيدا عن الغرائز المذهبية والطائفية هذه، وهو ما تعارضه الأحزاب، أو الدولة العميقة الحاكمة.
في مثل هذا الشهر من العام «2016» عقد البرلمان اللبنانى جلسة انتهت بانتخاب الجنرال ميشال عون، رئيسا للبلاد، لإنهاء أطول وأعقد أزمة شغور رئاسى عرفها لبنان منذ استقلاله عن فرنسا 1943.
لقد كانت عملية الانتخاب«محسومة سلفا» لصالح زعيم التيار الوطنى الحر، بعد توافقات بين مختلف الأطراف السياسية في لبنان، والتي أدركت أنه لا خيار أمامها سوى انتخاب عون بعد أن عقد مجلس النواب «45» جلسة نيابية لانتخاب رئيس على مدى عامين ونصف العام، تحقق النصاب في أولى تلك الجلسات التي عقدت في 23 أبريل عام 2014، بحضور 124 نائبا من أصل 128 نائبا، ولكن لم يحصل أي مرشح على الغالبية المطلوبة ليصبح رئيسا، حيث تقتضي عملية اختيار الرئيس حضور وموافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس، ومن بعدها فشلت كل محاولات انتخاب رئيس جديد للبلاد.
لقد انتصرت «الدولة العميقة» أمام كل اختبار خاضته، وفي هذه اللحظات تخوض إحدى أكبر مواجهاتها على الإطلاق، ضد الشعب اللبناني.
copy short url   نسخ
24/10/2019
2023