+ A
A -
كما لم يغفر النمساويون للأتراك حصار فيينا مرتين، لم يغفر الفرنسيون للإنجليز حرق جان دارك واغتيال نابليون بونابرت..
فـبعد هزيمته في معركة واترلو، تم أسر نابليون ونفيه إلى جزيرة سانت هيلانة وظل فيها حتى وفاته في مايو1851. وحينها ادعى الإنجليز أنه توفي بصورة طبيعية ولكن هذا لم يقنع الفرنسيين الذين سعوا دائماً لإثبات العكس.. غير أن أول دليل أثبت وجهة نظر الفرنسيين أتى من رجل غير فرنسي يدعى ستاين فورشفود.. فهذا الطبيب السويدي نشر عام 1962 نشر كتاباً أكد فيه أن الإنجليز سمموا نابليون بجرعات صغيرة من الزرنيخ وضعت في طعامه لفترة طويلة. واعتمد فورشفود في فرضيته على تطابق أعراض التسمم بالزرنيخ مع المشاكل الصحية التي رافقت نابليون في آخر أيامه..
وكان فورشفود قد زار عشرين بلداً لجمع أكبر قدر ممكن من خصلات الشعر العائدة لنابليون لمعرفة نسبة السم فيها.. وحين تجمعت لديه الكمية الكافية بعثها إلى معهد محايد لتحليل السموم في إنجلترا نفسها. وحين ظهرت النتيجة عام 1972 اتضح أن نسبة الزرنيخ في شعر نابليون زادت على المعدل الطبيعي بــ111 مرة.. وهذه النتيجة تعني أن الإنجليز سمموا نابليون بجرعات صغيرة جعـلت وفاته تبدو طبيعية! .. وكان معهد الصحة العام في شيكاغو قد أعلن بنفس الطريقة أن الموسيقار الألماني بيتهوفن توفي متسمماً بالزرنيخ عام 1827 (من خلال فحص عينات متبقية من شعره).. ومن المعروف أن شعر الإنسان يظهر بجلاء مدى تسمم صاحبه بالسموم المعدنية ويبقى فيه إلى الأبـد (وتذكر معي هذه الجملة حتى نهاية المقال).. وهكذا حين سمع المعهد بوجود خصلة طويلة من شعر بيتهوفن في مزاد سوثبي بلندن اشتراها بــ7300 دولار.. وهي خصلة يتجاوز طولها 15 سنتم قصها أحد المعجبين بعد وفاته مباشرة ثم انتقلت ملكيتها جيلا بعد جيل حتى انتهت إلى مختبرات المعهد بشيكاغو. وفي النهاية أكدت التحاليل أن نسبة الزرنيخ في خصلة بيتهوفن تجاوزت الحد الطبيعي بــ100 مرة مما يدل دلالة أكيدة على تسممه بهذه المادة!!
ــــ والآن نأتي إلى مربط الفرس:
فـهذان الحادثان مجرد أنموذج (ومقدمة) تـوضح كيف أن الزرنيخ كان دائماً السم المفضل لقـتل الآخرين عبر التاريخ.. فهو مـادة خـام معروفة منذ عشرة آلاف عام، ولا تملك لوناً ولا طعماً ولا رائحة، وتتسبب بعطب تدريجي في الكبد بحيث تبدو الوفاة طبيعيةـــ ولا تظهر نتائجها إلا بعـد وقت طويل إن أخذت بكمية صغيرة..
... وأنا شخصياً لا أستبعد أن يكون الزرنيخ هـو «السـم» الذي وضعته المرأة اليهودية في الشاة المصلية التي تناولها الرسول- صلى الله عليه وسلم- مع صحابته الكرام في خيبر- حيث مات بعضهم خلال الأيام التالية في حين استمر بعضهم مريضاً حتى آخر أيامه.. ورغـم أن رسولنا الكريم لم يمت بعدها مباشرة، ورغـم أنه احتجم لثلاثة أيام متتالية؛ إلا أنه قال وهو على فراش الموت: «ما زِلْتُ أجِدُ من الأُكْلَةِ التي أكَلْتُ مِن الشَّاةِ يومَ خَيْبَرَ حتى كان هذا أوانَ انْقِطَاعِ الأَبْهَرِ مِنِّى»..
ولحسم هذه المسألة- والتأكد من أن حادثة تسميمه كانت السبب الرئيسي في وفاته- نحتاج لتحليل شيء من خصلاته الكريمة الموجودة حتى اليوم في قصر توبكابي في اسطنبول والمسجد الجامع في دلهـي في الهـند.

بقلم : فهد عامر الاحمدي
copy short url   نسخ
25/06/2016
3421