+ A
A -
احتفل العرب (أو بعضهم ممن لم تشغلهم الحروب ومآسيها) بالذكرى 46 لحرب أكتوبـر، ويجب أن نضيف «المجيـدة» كما شـاع، فهـل كانت مجيـدة حـقاً؟ الجواب نعم ولا، كيف؟ لا، لأنها حـرب لم يخـطط لها جيـداً، وتبدلـت الخطـط مرات أثناء القـتال، ولم يكن الشـركاء الأسـاسـيون مخلصيـن أحدهم للآخر، ولم يتحكم العـرب بمجرياتهـا حتى آخرهـا «والعبرة في الأمور خواتيمهـا» وتاهـت بين «حرب تحريـر» و«حرب تحريك» والأهـم أنها لم تؤد إلى انتصار، وصـدق من قال إن هزيمة 1967 هـزيمة عسكرية أدت إلى انتصار سياسي، وحرب أكتوبر انتصار عسكري أدى إلى هزيمة سياسية.
ولكنها حـرب مجيـدة حقاً، لأن العـرب ولآخـر مرة في تاريخهـم الحديث (وربمـا لأول مرة) وقـفوا في خندق واحد، على قلب رجل واحد، واستعملوا أسلحتهم السياسية والحربية والاقتصادية.
حدث أحدهـم أن عمته كانت على فراش الموت تلفظ أنفاسها الأخيرة، وكانوا يبكون، وينتظرون اللحظة التي تسـلم فيها الروح إلى بارئها، وفتحت عينيها وابتسـمت، وقالت: وحِّدوا الـلـه، وصلوا على النبي، فوحدوه كلهم، وصلوا على النبي، وفرحوا لأنهم ظنوها استعادت عافيتها، لكن العقلاء قالوا: سـتلفظ أنفاسـها الأخيرة، وجادلهم الآخرون، فقالوا: إنها صحوة الموت. وقد كانت حرب أكتوبر صحوة موت العرب كأمة، ولم تقم لها قائمة بعدها.
لقد عايشت وأبناء جيلي والأجيال السابقة حرب أكتوبر، وانتظرناها منذ هزيمة 1967، وأفخر بأنني كنت مـقاتلاً في حرب أكتوبر وأثناء حرب الاستنزاف حتى مايو 1974، وعايشـناها بعد ذلك في الإعلام ودهاليـز السـياسـة، وأشهد أن العرب جميعاً قاموا بواجبهم، وأن المال العربي والبترول العربي كانا في المعركة، وقد قدم الـلـه تعالى الجهـاد بالمال على الجهاد بالنـفس في آيات كثيرة كقوله في سـورة الأنفال: «إن الذين آمنـوا وهاجروا وجاهـدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الـلـه» (الآية 72) فلـماذا انـقـلب الذين ادعـوا أنهم جاهدوا بأنفسهم عليهم وراحوا يكيلون لهم الشتائم ويتهمونهم بالتخاذل؟
وأريد أن أذكر بروح التضامن العالية التي سادت المجتمعات العربية، وهذا دليل على أن هذه الأمة لا تريد إلا من يقودها بصدق وأنها على استعداد للتضحية بكل شيء، ولكن الأمة لا تغفر الكذب والخداع والمتاجرة بآمال الشعوب وأحلامها، ولا يغفر التاريخ الغدر والخيانة.
جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وماتت الآمال واحداً تلو الآخر، وخان الحكام القضية الأساسية في كل هذا (قضية فلسطين) مرات ومرات، بل أظهروا أن المهم أن يبقى الحاكم ولتذهب الأوطان إلى الجحيم، لكن حرب أكتوبر تبقى نقطة مضيئة في التاريخ العربي الحديث، إلا أن شمعة واحدة لا تهزم جيوشاً من الظلام.
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
07/10/2019
1954