+ A
A -
مع تعمق الثورات والحروب والصراعات وتوسع الحراك الدولي والإقليمي بحثا عن المكاسب، أضحت أخبار وتـقارير العلاقات العامة PR اليوم أقوى من الصواريخ الاستراتيجية في حالة الهجوم وربما أنـفع من المضادات الأرضية في حالة الدفاع وذلك لتأثيرها القوي على الروح المعنوية ودورها الكبـير في تجميد وضع معين لصالح بلد ما أو تبرير عمل استراتيجي محدد أو دورها في تحريك الراكد الدولي تجاه قضية معينة أو إخماد تـفاعل المجتمع الدولي مع قضية أخرى! وقد زادت هذه الأهمية وهذا التأثير مع التطورات التكنولوجية التي حدثت في الإعلام الفضائي والإلكتروني حيث أصبحت الأخبار والتـقارير على بعد ضغطة زر من عيني القارئ الشغوف!
الكلمات القاسية والتصنيفات السوداء والتعبـيرات البراقة أصبحت من أسلحة العصر في الدفاع والهجوم والتـنافس الانـتخابي كذلك. في الأسبوع الماضي، شنت المرشحة عن الحزب الديمقراطي للانـتخابات الأميركية هيلاري كلينتون هجوما شرسا على السعودية والكويت وقطر وسط تصفيق حاد من مؤيديها! وذكرت بالحرف الواحد أنه «على السعوديين والكويتيين والقطريين التوقف عن دعم الجمعيات الخيرية التي تجند الإرهابيين وترسلهم إلى أوروبا وأميركا لإثارة الرعب».. في المدن الهادئة التي لا تعرف لون الدم!
في الجانب الآخر يشن المرشح للرئاسة الأميركية دونالد ترامب في كل خطاب وبعد كل حدث هجوما عنيفا على المسلمين ويخص بذلك دول الخليج لأنهم يرسلون الإرهابيين كما يقول ليعكروا صفو المدن الأوروبية والأميركية الوادعة! التراشق بين المرشحين المتـنافسين للفوز بإقامة مؤقـتة في البيت الأبيض وصل إلى حد التهجم على دول ومجتمعات صديقة مصالحها المتبادلة مع الولايات المتحدة لا تـقدر بثمن! ويتـزامن هذا مع قدر كبير من الضغوط الاقـتصادية والسياسية على تركيا ودول الخليج خاصة في أزمات الشرق الأوسط السورية والعراقية واليمنية! على كل حال هذا الهجوم المفرط وهذه المواقف الضاغطة لم تأت من فراغ!
فعلا لم تأت من فراغ! إنها الأخبار والتـقارير والصور التي ملأت الشاشات والفضائيات منذ عدة سنوات وغـفلت عنها دول الخليج خاصة حتى أتـت أكلها وأصبحت اليوم على كل لسان وكأنها حقيقة لا جدال فيها! فهذا الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لافروف والإعلام الروسي يتحدثون بدون حياء كل يوم عن دور مزعوم لدول الخليج وتركيا في تصدير الإرهاب كما يدّعون إلى دول العالم قاطبة وليس إلى سوريا والعراق فحسب! لو قـتل مروج مخدرات في أزقة موسكو أرجعوا السبب إلى الحلف التركي القطري السعودي، ولن تـنـتهي علامات التعجب!
لقد عمل الإعلام السوري والإعلام الإيراني والإعلام العربي والغربي المتعاطف مع النظام السوري لهذه النـتيجة منذ قيام الثورة السورية حيث كان الحرص على إثبات تورط «السعودية وقطر وتركيا» (ويذكرونها بالاسم) من اليوم الأول وكأنهم هم الذين دفعوا أطفال درعا للكتابة على الجدران! ولن يخجلوا عن ربط هذه الدول بالإرهاب الدولي والإشارة إلى علاقة ما لهذه الدول مع تـنظيم الدولة مع إنها من أكثر الدول تضررا من أعمال التـنظيم وأحزمته الناسفة!؟ بعض الأشخاص المهمين في هذه الدول مرت عليهم أخبار وتـقارير من هذا النوع لكنهم لم يلقوا لها بالا ربما لسخافـتها أو لقربها من الخرافة لكنها اليوم أصبحت موضوعا للتـنافس الانـتخابي في الولايات المتحدة يا قوم!
حسنا، هي هكذا الحرب الإعلامية لكن لماذا تخصصت جهود (العلاقات العامة) الدولية INTERNATIONAL PUBLIC RELATIONS في وصف هذه الدول بالذات بالإرهاب الدولي وباتهامها بالمسؤولية عن كل عملية إرهابية تحدث في العالم حتى عملية عمار متين الأفغاني الشيعي الذي أرتكب مذبحة المثليين في أورلاندو كرد فعل شخصي على شعوره بالذنب لأنه هو الأخر مثلي مثلهم! الجواب هو ذلك التأثير الخفي للرسائل التي نـشرتها شركات العلاقات العامة الدولية على مدى السنوات الماضية خاصة من بعد أحداث سبتمبر حيث جرت العادة على ربط أعمال الإرهاب والعنف الدولي وحتى العنف المحلي بالعرب أو بالإسلام والمسلمين وحديثا أصبحت الدائرة تضيق أكثر وأكثر لتـشمل دول الخليج العربي وتركيا!
مشكلة بعض الدول أنها تهتم بالقوة المادية وتجمع الصواريخ والطائرات والمدرعات وتدرب المقاتلين لكنها تغفل غفلة مميتة عن الروح المعنوية التي تصنع المستحيل والعلاقات العامة التي تؤثر على الصور الذهنية وتساند العمليات العسكرية وتبرر الكثير من المواقف والقرارات بنجاح منـقطع النـظير! والمشكلة الأخرى أن بعض وسائل الإعلام المحسوبة على دول الخليج نـفسها تعيش في حالة غيـبوبة محيرة فـتسكب بغبائها مزيدا من الزيت الساخن على نار الاتهامات والتصنيفات التي تأكل سمعة دول الخليج وصورتها الذهنية! جلسة واحدة أمام بعض الفضائيات المحسوبة على دول الخليج تجعل المتابع يقـتـنع أن هذه الدول هي «مصدر الإرهاب الدولي» فيضرب كفا بكف ويقول «على نـفسها جنـت براقـش»!
د. صنهات بن بدر العتيـبي
copy short url   نسخ
21/06/2016
4129