+ A
A -
كشفت وزيرة الدفاع البريطانية الجديدة بيني موردونت في تصريحات لها قبل أيام عن نوع جديد من الحروب في العالم أسمتها: «الحروب القاتمة»، وهي حروب، كما وصفتها، تجري رحاها في الظلام.
واللافت في سيرة هذه السيدة التي تعتبر بين قلائل في العالم تولين هذه الحقيبة الخشنة في بلدانهن أنها تقلدت العديد من المنصب، وسبق توزيرها، بل إن بعض ما قامت به كان قريبا ولصيقا بصراعات عدة في العالم، فضلا عن أنها في بلادها كانت قريبة في بعض مناصبها من وزارة الدفاع البريطانية، وهي مؤسسة سيادية لها تاريخ، بل ولها عيون وقرون استشعار شديدة الحساسية، فهي لم تستلم حقيبة الدفاع البريطانية من فراغ، بل استنادا إلى خبرات تؤهلها لهذا المنصب السيادي البالغ الأهمية. وفي ظروف دولية شديدة التعقيد، ولهذا فهي حينما تتحدث عما أسمته: «حروب قاتمة»، فالمؤكد أن هذا الاصطلاح لم يخرج من بين شفتيها إلا عن وعي بما يحدث ويدور في عالم أسهب وتفنن في تصنيف الحروب التي لا تتناسخ في الأزمنة المختلفة، بل يناسب كل حرب من هذه الحروب زمنه وأهدافه وجغرافيته وأدوات الصراع المستخدمة فيه.
فعالمنا الذي يبدو أنه يؤثر الحروب ويدير ظهره للسلام سبق له أن قسم الحروب إلى أجيال، فعرف عالم لا يغمد أسلحته ويمتشق بأدوات الفتك والدمار الجيل الأول من الحروب وهو في تيسيط وقوع الوغى بين جيشين نظاميين تتواجه فيه دانة مدفع أو صاروخ مع دانة مدفع وصاروخ، ثم انتقل العالم في حروبه إلى جيل آخر من الحروب يطلق عليه حروب العصابات، ثم حروب الجيل الثالث وهي وقائية وسريعة وخاطفة، ثم حروب الجيل الرابع، ومن أدواتها الحرب النفسية، العصابات، شبكة الإنترنت وتغيير مفردات اللغة العربية إلى جانب الضغوط الاقتصادية، وتضم اللعب في البورصة، زيادة الأسعار، أزمة الدولار، ضرب السياحة، تصدير الأزمات.
وتهدف حروب الجيل الرابع إلى زعزعة الاستقرار والتشكيك في الجيش والشرطة، والقيادات السياسية وضرب الاقتصاد بضرب السياحة، ونشر الشائعـات واستخدام التكنولوجيا في التنظيمات الإرهابية. أما حروب الجيل الخامس الجاري الحديث عنها حاليا، فتعتمد على ترويج شائعات انتشار الأمراض الوبائية مثل أنفلونزا الطيور وجنون البقر.
وقبل تقسيم الحروب إلى أجيال، عرف العالم ما سمي بـ «الحرب الباردة» وهو مصطلح يعبر عن صداع سياسي عالي الصوت استخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وحلفائهما من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات، إلى أن حلت سياسة الوفاق وانهيار الإمبراطورية السوفيتية الحمراء وتفككها.
وأخيرا خرجت علينا وزيرة الدفاع البريطانية بيني موردونت، بخبرتها واطلاعها، بما أسمته "الحروب القاتمة"، وهي حروب -فيما نظن- لا تختلف عن الجيلين الأخيرين: الرابع والخامس، في التقسيمة السالفة الذكر للحروب إلى أجيال، إذ ان الحروب القاتمة التي أشارت إليها بيني موردونت ابنة شرعية وامتداد لهما.
وأخطر ما في الحروب القاتمة أنه ربما لا نرى أطرافها، وقد لا نعرفهم، ولا نلحظ معاركها، ولا نسمع لها في مراحل منها دويا، ولا صوت لرحاها الدائرة، بل يديرها ويتحارب فيها أشباح وعقول وإرادات ليتفاجأ العالم بنتائجها، وربما بخرائطها الجديدة ومحاورها التي تحاربت في جنح الليل.
الخطير في أمر الحروب القاتمة التي تحدثت عنها وزيرة الدفاع البريطانية أن منطقتنا لا تعرفها ولا تلاحظها، وربما أنها ليست طرفا فيها، بل ضحية مثالية من ضحاياها.
بقلم: حبشي رشدي
copy short url   نسخ
26/07/2019
1350