+ A
A -
في عام 1951، وقَّع ما يقارب مائة وتسع وثلاثون دولة أثناء انعقاد إحدى دورات الأمم المتحدة اتفاقية خاصة بوضع اللاجئين حول العالم، وعرفت الاتفاقية اللاجئ بالتالي: «هو شخص يوجد خارج بلد جنسيته أو بلد إقامته المعتادة، بسبب خوف له ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب العنصر، أو الدين، أو القومية، أو الانتماء إلى طائفة اجتماعية معين، أو إلى رأي سياسي، ولا يستطيع بسبب ذلك الخوف أولا يريد أن يستظل/‏ تستظل بحماية ذلك البلد أو العودة إليه خشية التعرض للاضطهاد».
ألقت هذه الاتفاقية على عاتق الحكومات الموقعة عليها مسؤولية حماية اللاجئين، وتحتفظ مفوضية اللاجئين المنبثقة عن القرار والتابعة للأمم المتحدة، بالتزام رقابي على عملية قبول اللاجئ، وعدم إرغامه على العودة إلى بلده لاحقا في حال كان مازال معرضا للخطر، وتبحث عن الوسائل الممكنة لمساعدته على البدء في حياته من جديد، أو مساعدته على إعادة توطينه في دولة مضيفة. وتعتبر جميع الدول، بما فيها تلك التي لم توقع على الاتفاقية ملزمة بالتمسك بمعايير الحماية الأساسية التي تعتبر جزءا من القانون الدولي العام.
تعتبر سوريا حاليا أكثر بلد مصدر للاجئين حول العالم، إذ بات عدد اللاجئين يقارب ستة ملايين شخص، موزعين حول العالم، تتحمل الدول المحيطة بسوريا (لبنان الأردن تركيا) العدد الأكبر منهم، لأسباب جغرافية أولا وثانيا لأسباب سياسية (تركيا تحديدا)، طبعا تقدر الإحصاءات أن العدد يزيد على الملايين الستة، حيث يوجد الكثير من السوريين في البلاد العربية وتركيا، ليسوا مسجلين في سجلات مفوضيات اللاجئين، وهو ما يجعل عملية إحصاء دقيقة لعدد اللاجئين بالغة الصعوية وتبقى ضمن النسب التقديرية.
ومن المفهوم أن تكون لكل دولة قدرتها الخاصة بها على استقبال اللاجئين، وهذا طبيعي جدا، ومن حق حكومات هذه الدول تنظيم وضع اللاجئين لديها، سواء من حيث تطبيق قوانين اللجوء المعتمدة من قبل الأمم المتحدة، أو القوانين الخاصة بكل بلد والمتعلقة بهذا الشأن، ولا يحق للاجئ الاعتراض على مطالبته بالالتزام بالقوانين، فهذا سيسهل عليه وعلى الدولة المضيفة وعلى مفوضية الأمم المتحدة شرط حياته وشرط حمايته، وهو ما يتحقق في أوروبا ودول أميركا في العلاقة بين اللاجئ والدول المضيفة، حيث هناك قوانين واضحة لاستقبال اللاجئ وقبول طلبه ومنحه نوعا من أنواع الإقامة، وحمايته ومنع ترحيله إلى حيث قد يتعرض للاضطهاد، إلا ضمن شروط موضوعة مسبقا ومعروفة لطالب اللجوء، أو إذا اختار هو العودة على مسؤوليته الشخصية حينها يسقط عنه حق الحماية. لذلك لم يسمع عن أي سوري أنه تم ترحيله إلى سوريا دون رغبته، إلا لمن ثبت عليه بأدلة قاطعة أنه كان من مجرمي الحرب في سوريا، أو أنه ارتكب جرائم يعاقب عليها القانون بالترحيل! لهذا لا يخشى السوريون في أوروبا والأميركتين على وجودهم هناك، ولا يشعرون بالقلق حيال ذلك، إلا لو حصل أن توافق العالم كله على إعادتهم إلى سوريا وتركهم لمصيرهم، وهو ما يبدو بعيدا عن الواقع، في ظل تقاعس المجتمع الدولي عن إيجاد حل ينهي الكارثة السورية، وينقل البلاد إلى مرحلة جديدة بعد أن تتم محاسبة كل من تلطخت يداه بالدم السوري من أعلى الهرم السياسي في النظام حتى أصغر مرتزق في أي تنظيم جهادي!
غير أنه في المقابل، لا يحق للدول المضيفة التي ليس لها قوانين ناظمة خاصة باللجوء أن تتلاعب بمصائر اللاجئين، وأن تضعهم رهن الأمزجة السياسية بين الحكومات ومعارضيها، أو أن يتم استخدام ورقتهم في اللعبة السياسية الديمقراطية أو غير الديمقراطية، أو أن يتركوا عرضة للتنمر النابع من شوفينية متعالية على اللاجئ، الذي ما كان ليترك بلده وبيته لو لم يكن قد تعرض لجريمة كبرى اضطر تحت ثقلها أن يحتمل أكثر الظروف الإنسانية إذلالا وقهرا ومهانة.
يتم التعامل مع اللاجئين السوريين، سياسيا ودوليا، كما لو أنهم هنود حمر هذا العالم، كما لو أنهم لعنة يجب التخلص منها، أو وباء معدٍ يجب القضاء عليه قبل أن ينتشر، رغم أن السوريين أثبتوا في كل الأمكنة التي لجؤوا إليها، أنهم أكثر لاجئي العالم قدرة على الاندماج وتدبير شؤون الحياة وتعلم لغة البلد الذي يعيشون فيه والالتزام بالقوانين، هذا لا يعني أنه لا يوجد بين السوريين من يشذ عن ذلك؛ المجرم واللص والمغتصب والمتحرش والسمسار وكل شيء والاتكالي والوصولي والمتخلف الخ، لكن قياسا بعدد اللاجئين السوريين تبدو ارتكاباتهم في الدول المضيفة قليلة جدا، ويتم تسليط الضوء عليها من قبل السوريين أنفسهم لتحذير الآخرين من مغبة أي ارتكاب.
رفقا بنا أيها العالم، رفقا بنا نحن السوريين، لم نكن يوما إلا طالبي حياة وعدالة ونجاح، اترك لنا أيها العالم البائس قليلا من الحياة.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
23/07/2019
2123