+ A
A -
«تعليقة ذهبٍ» صغيرةٍ وضعتها عمته على صدره (كما كان يقول سميح شبيب، وكما قال لميرفت صادق التي حاورته في وقتٍ سابق) كانت الوسيلة الوحيدة التي عرّفت عنه قبل ركوب عائلته السفينة المتجهة إلى بيروت، حتى لايضيع في الزحام والفوضى التي رافقت خروج الناس لحظات النكبة.
الدكتور سميح شبيب، قذفت النكبة الكبرى بعائلته مع غالبية أبناء شعبه، فوصلت عائلته وهو طفل رضيع على متن إحدى السفن إلى بيروت، ومنها إلى دمشق، وبعدها كانت الإقامة في مخيم اليرموك.
التحق بصفوف العمل الوطني الفلسطيني منذ يفاعة عمره، وتحديداً في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة)، والتي خرج منها مع المجموعة التي أطلقت على نفسها لاحقاً اسم جبهة التحرير الفلسطينية صيف العام 1976 بعد احتدام الخلافات داخل الجبهة الشعبية (القيادة العامة)، بشأن دخول القوات السورية إلى لبنان.
درس في جامعة دمشق/‏ كلية الآداب، وعمل في الصحافة والإعلام، وفي الكتابة السياسية، وتفرغ بالعمل البحثي في مركز الأبحاث الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، كما عمل بعددٍ من المطبوعات الفلسطينية، كان منها المجلة المركزية لجبهة التحرير الفلسطينية (القاعدة) ومجلة (الأفق). وانتقل بعد مرحلة بيروت إلى قبرص مواصلاً عمله الإعلامي، وصولاً لدخوله إلى فلسطين، وإقامته في رام الله، وترؤوسه هيئة تحرير دورية (شؤون فلسطينية). في العدد 248 من مجلة «شؤون فلسطينية»، ربيع 2012، والتي كان يرأس تحريرها المرحوم سميح شبيب، نَشَرتُ على صفحاتها دراسة مطولة بتكليفٍ من الدكتور سميح، بعنوان «م.ت.ف. الواقع الراهن وآفاق المستقبل»، وعندها وقع اكثر من اتصال بيني وبينه من رام الله إلى مخيم اليرموك.
تمكّن سميح شبيب من الدخول إلى يافا لأول مرة عام 1993، مدينته التي كان يحلم بها طوال عقود سنوات مابعد النكبة، فبدأ يبحث عن بيت عائلته، البيت الذي كان مسقط رأسه، وقد خرج منه رضيعاً وعمره عدة ايام. مات سميح شبيب، ودفن في المثوى الجديد (المقبرة الثانية) لشهداء فلسطين في مخيم اليرموك، المخيم الذي نشأ من العدم، لكن اللجوء والعوز والفقر شكّل تحدياً للاجىء فلسطين ومنهم سميح شبيب، وليس صدفة، أن تتضافر جهود شتى، لإلغاء مخيم اليرموك، وشطبه عن الوجود. سيرة الدكتور سميح شبيب، من النكبة حتى وفاته، تلخص سيرة الآلاف من لاجىء فلسطين عام النكبة، الذين مازالوا حتى الآن ومع الأجيال الجديدة من ابناء فلسطين، متمسكين بحلم العودة المشروع، الوعد الفلسطيني الذي لايموت، وعد العودة إلى يافا... وشراعي في مينا يافا... يا أيام البحر بيافا.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
29/06/2019
2004