+ A
A -
تشهد البشرية الآن حرباً تكنولوجية في العصر الرقمي تدور رحاها بين الصين الشعبية والولايات المتحدة، إنها حروب المستقبل، حروب المعلوماتية، التي تطل علينا، وعلى العالم بأسره، لكنها تتصدر الآن المنازلة الكبرى المحتدمة بين كل من واشنطن وبكين. فتجارة المعلوماتية ومنتوجاتها باتت تتموضع على رأس الحروب الاقتصادية والتجارية بينهما.
تكنولوجيا المعلوماتية، وأرباحها الفلكية، وتطورها اليومي الذي لا يتوقف، بل وتسارعها الفائق، يجعل منها عنوان حروب الفوز بالأرباح الطائلة. حيث نجحت بكين حتى الآن في تجاوز جدار الاحتكار الأميركي للمعلوماتية بحدودٍ جيدة نسبياً، وقد أثارت الدعوة الأخيرة للرئيس الصيني (شي جين بينغ) إلى الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا وصناعتها، في ظلّ المنافسة الحامية مع الولايات المتحدة، حفيظة الخبراء الأميركيين بشكلٍ رئيسي، لاعتقادهم أن بداية الصين الشعبية التكنولوجية وقلّة امتلاكها للقدرات اللازمة- خاصة على صعيد الرقائق الإلكترونية وتصنيعها- قد تجعل من هذه المهمة الصعبة أمراً مُمكناً.
ومما لا شك فيه، أن الصين الشعبية، حققت تحولاً مذهلاً، من بلد فقير معدم تطحنه المجاعة والاضطرابات السياسية إلى مجتمع ينعم بوسائل تواصل متطورة ويعتمد بصورة متزايدة على مصادر الطاقة المتجددة ولديه برنامج لاستكشاف الفضاء وقطارات فائقة السرعة تعبر البلاد طولاً وعرضاً. لكن نظرة فاحصة إليها، تكشف أنه بينما تتفوق الصين الشعبية في تجميع مكونات التكنولوجيا الأجنبية وتحويلها إلى منتجات ناجحة تجارياً في الداخل وفي التصدير الخارجي، لا تزال قدرتها على الابتكار تواجه عراقيل معينة، وفق خبراء التكنولوجيا، لكن ارادة العمل على تجاوز تلك المصاعب تعطيها دفقاً كبيراً من الأمل للوصول إلى سدة المعلوماتية في مواجهة الولايات المتحدة، وهو ما برز صارخاً في الفترات الأخيرة من خلال أزمة شركة (هواوي) التي باتت منافسة لمجموعة (آبل) الأميركية على مستوى العالم، وهو ما أشار اليه رين جينغفي، مؤسس ورئيس (هواوي) عندما رد على لهجة التحدي الأميركية ومحاولاتها للحد من الطموحات العالمية لشركته، فقال: «الممارسة الحالية للسياسيين الأميركيين تسيء تقدير قوتنا».
لقد أعلنت شركة (فيسبوك) أنها لن تسمح «بتثبيت تطبيقاتها، التي تشمل فيسبوك وإنستغرام وواتسآب، مسبقاً، على هواتف هواوي بعد الآن»، في ضربة تلقتها (هواوي) الصينية، بعد قطع شركات التكنولوجيا الغربية علاقاتها معها تطبيقاً لحظر تجاري فرضه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. حيث يُتوقع فيه أن تُلحق القيود الأميركية ضرراً بــ (هواوي) على المدى القصير، بينما يُحذّر الخبراء من أن الإجراءات الأميركية قد تُجبر (هواوي) على البحث عن حلول مستقلة وتطوير التكنولوجيا الخاصة بها، ما سيلحق الضرر بالوضع المهيمن لشركات أميركية مثل غوغل، على المدى الطويل. وانطلاقاً من ذلك فإن الحكومة الصينية، ضخت، أموالاً طائلة سعياً لتطوير أشباه الموصلات الخاصة بها وتصميم الرقائق محلياً، على أمل سد الفجوة مع منافسيها الأميركيين واليابانيين والكوريين الجنوبيين. في هذا السياق، فإن روسيا الاتحادية، تنحاز في مسارات الحرب الشرسة التي تشنها الولايات المتحدة على شركة (هواوي) الصينية إلى جانب بكين، وقد بانت تجليات الموقف الروسي من خلال كلمة الرئيس فلاديمير بوتين خلال الجلسة العامة قبل أيام (5 ــ 6/‏6/‏2019) لـ «منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي»، وبعدما وقّعت إحدى أهم شركات بلاده، اتفاقية مع شركة (هواوي) لتطوير شبكات الجيل الخامس من الإنترنت. هي الحرب التي عنوانها الكبير «حرب الجيل الخامس» G5 بين قطبي الاقتصاد العالمي، بتقنيتها التي ستتعدى البشر إلى الجماد، وهو ما يطلق عليه إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي أو ذكاء الآلة.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
11/06/2019
1880