+ A
A -
العالم يتغير، وتتغير موازين القوى فيه، ويسعى الأقل قوة لأن يحوز أسباب قوة الأقوى منه، وهنا تتجه الأنظار إلى العلماء والباحثين ومعاملهم العلمية، فالتغيير يبدأ بنجاحهم في التوغل بعمق المجهول وإماطة اللثام عنه، وترويض المستحيلات واكتشاف الجديد، العلماء هم الذين ينقلون العالم من عصر إلى آخر، ومن مرحلة تقنية إلى مرحلة تقنية جديدة، وإذا كان العلماء هم الذين يبحثون فيما يصنع سعادة البشرية ويقهر قضاياها وتحدياتها وأمراضها، فإن منهم أيضا من يضعون في ترسانات الشعوب أشد الأسلحة فتكا ودمارا وذكاء، ويمكن القول بثقة إنه يجب قياس حضارات وقوة الأمم بقياس لا يستخدم عن عمد، وهذا القياس أو المعيار بمقدار ما لديها من علماء، وبقدر ما تنفقه فعليا على البحث العلمي، وأيضا بمقدار ما لديها من علماء عباقرة من بين جملة علمائها.
القياسات المستخدمة حاليا في تقييم الأمم تنحصر في مقدار أرصدتها المتكومة، أو بمقدار نشاطها الاقتصادي البارز، بغض الطرف عن طبيعة ما يدر دخولها الوطنية إن كان تصديرا لمواد خام، أو تجارة ناجحة، أو عوائد صناعة تنافسية لها اعتبارها وسمعتها في السوق الدولي، فلا يتحدث أحد عن ما في حوزة الدول من علماء نابغين في الكيمياء والفيزياء والتاريخ الطبيعي وشتى المعارف والعلوم المادية والإنسانية، ولا أحد يلفت دولا بعينها إلى أهمية الاعتناء بعلمائها كما ونوعا، ولا إلى ضرورة تغذية البحوث العلمية للعلماء بكل ما تحتاجه لتترجم ولتثمر في حقول الزراعة ومصانع الصناعة، فقط الدول الكبرى والمتقدمة في عالمنا الراهن هي من تدرك فعليا قيمة العلماء والباحثين.
وفي واقع الأمر فإن دول الغرب حاليا صارت تدرك أكثر من أي وقت مضى أنها أسهمت في يقظة العملاق الصيني الذي كان ينصح بأن يترك إلى نعاسه، وقد جاءت هذه اليقظة من خلال تفريط الغرب بعلومه وصناعاته، مما أدى إلى تمدد عمالقة آسيا ونمورها الذين أصبحوا الآن يمتلكون اقتصادات وصناعات مؤثرة في الأسواق العالمية، ولهذا بدأ الغرب بالفعل بإغلاق أبوابه في وجه التسلل الآسيوي الخفي لمعاقل البحوث العلمية ومراكز الصناعة.
وهناك حاليا اقتراح بقانون في الكونغرس قدّمه نواب جمهوريون في الكونغرس الأميركي يقضي بمنع أي طالب أو باحث مرتبط بالجيش الصيني من الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة، في إجراء أثار حنق بكين، التي تدور بينها وبين واشنطن حرب تجارية ضارية، ومن المؤكد أن هذا الاقتراح الجمهوري الذي يعده مقدموه مجرد إجراء بسيط للدفاع عن النفس، لم يأت من فراغ، ولكنه جاء بعد شكوك أميركية، وربما إثباتات يقينية، بأن الأسرار البحثية والعلمية العسكرية الأميركية في خطر.
كما يسعى الرئيس الأميركي ترامب إلى إعادة الصناعات الأميركية التي أنشأها رجال أعمال أميركيون خارج البلاد، مما أدى إلى تسريب أسرار هذه الصناعات إلى حد أن دولا آسيوية قد نجحت من خلال الهندسة العكسية لهذه الصناعات في إنتاج نسخ متطابقة لنظيرتها الأميركية مع شيء من التصرف.
ومؤخرا أصدرت محكمة بولاية فيرجينيا الأميركية حكما بالسجن 20 عاما على موظف سابق بوكالة الاستخبارات المركزية، وجاء بعد إدانته بتهمة التجسس لصالح الصين، حسبما أفادت به وزارة العدل الأميركية، وهو ما يعني تحولا في توجهات الغرب عموما والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص من أجل الانفراد بالمنجزات العلمية وإغلاق الأبواب في وجه من يحاولون السطو عليها.
بقلم: حبشي رشدي
copy short url   نسخ
24/05/2019
1495