+ A
A -
أدى الانقسام السياسي والتنظيمي العربي الداخلي في المناطق المحتلة عام 1948 من فلسطين، لتراجع الأداء العربي في انتخابات الكنيست الحادية والعشرين، بما في ذلك انخفاض عدد مقاعد النواب العرب في الكنيست من (13) مقعداً في الدورة السابقة إلى (10) مقاعد في الدورة الجديدة الحادية والعشرين. فقد تراجعت نسبة التصويت العربي بشكل كبير في الانتخابات الأخيرة ووصلت إلى قرابة 50 %، بعدما ارتفعت إلى 63 % في انتخابات العام 2015 نتيجة تشكيل القائمة المشتركة في حينها.
هذا التراجع، يعبّر أساساً، عن خيبة أمل وسط الناس والجمهور الفلسطيني في الداخل، من الأحزاب العربية، وأدائها، وبرامجها، وقياداتها، نتيجة تفكك القائمة المشتركة السابقة إلى قائمتين، فتراجعت نسبة التأييد للأحزاب العربية، أي نسبة التأييد للتحالف الجديد المشكّل من قائمتين، القائمة (الموحدة الإسلامية والتجمع الوطني الديمقراطي) وقائمة تحالف (الجبهة والحركة الوطنية للتغير)، من 85 % للقائمة المشتركة في دورة انتخابات العام 2015 إلى 70 % في دورة الانتخابات الأخيرة للعام 2019. أي أن ما يقارب 30 % من الناخبين العرب أدلوا بأصواتهم، وللأسف، لأحزاب صهيونية (والمعطيات المتوفرة تُشير إلى أن 40 ألفاً صوتوا لقائمة كتلة ميرتس، التي نجحت بفضل العرب، ونحو 33 ألفاً صوتوا لتحالف كاحول/لافان، برئاسة بيني غانتس).
أيضاً، ما حصل لا يمكن أن ننزعه عن سياقات التحوّلات التي طرأت في السنوات الأخيرة على المجتمع الفلسطيني في الداخل، فقد تعرّض فلسطينيو الداخل لعمليات «أسرلة قسرية» في أطوار جديدة مختلفة عما سبقها من محاولات، وترافقت معها عملية «غسيل دماغ»، من اقرار ما يسمى بـ «قانون القومية» حيث صرّح بنيامين نتانياهو بأنه «توجد في إسرائيل مساواة مدنية في الحقوق لكافة المواطنين، ولكن لا مساواة في الحقوق القومية، التي هي حصرية لليهود في ما تسمّى أرض إسرائيل». وصولاً لقول نتانياهو «إن لا شرعية سياسيّة للمواطنين العرب»، وبالتالي في السعي لنزع الشرعية السياسية عنهم وعن أحزابهم الوطنية، حتى تلك التي من شاكلة (الحزب الشيوعي الإسرائيلي ذي الغالبية العربية في عضويته)، والذي يُعرّف نفسه بأنه حزب يهودي ـ عربي يسعى لسلام الشرعية الدولية. إن كل ما سبق أعلاه، ترافق، وبحدودٍ كبيرة، مع غياب الخطاب الوطني الجامع في الوسط العربي، وهو الخطاب الذي يؤسس لمناخ توافقي وطني، يعزّز التوجّهات لبناء المؤسسات القومية العربية، وينبذ التباينات بين الكتل والأحزاب العربية مهما كانت. لكن معظم الأحزاب العربية مازالت تخوض معارك ذاتية فيما بينها، كما أنها وقعت في «الفخ الإسرائيلي» عندما وضعت أمامها مهمة شبه وحيدة وهي اطلاق «خطاب الخدمات» فقط، بدلاً من الدمج مع الخطاب الوطني والحقوق القومية، باعتبارها حقوقا لكتلة سكانية أصيلة من البلاد واصحابها الشرعيين، وتمثّل نحو 20 % من سكان «إسرائيل». فخطاب الخدمات المنزوع عن السياق السياسي الوطني والحقوق القومية لفلسطينيي الداخل، والترابط مع القضية الوطنية التحررية للشعب العربي الفلسطيني ككل، يؤدي في نهاية المطاف لتشوه كبير في الوعي القومي، وفي الرضوخ لمشروع «الأسرلة» الذي تسعى دولة الاحتلال لفرضه على فلسطينيي الداخل منذ نكبة العام 1948.
وعليه، على الأحزاب والنخب العربية في الداخل، أن تتعظ من نتائج الدورة الحادية والعشرين لانتخابات الكنيست، وأن تراجع نفسها وسياساتها، وبرامجها، وعلاقاتها بين بعضها البعض، للوصول إلى برنامج اجماع وطني، يعيد الأمور إلى نصابها، فأبناء الداخل هم أصحاب الوطن الأصليون، وهم جزء ومكوّن أساسي من مكونات العملية الوطنية الفلسطينية لكل الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
03/05/2019
1463