+ A
A -
سـأتحدث عن الغناء وبرامج المسـابقات التلـفزيونية. أعتـقد أننا سـنتـفـق على أن الهدف الأسـاسـي تحقيق مكسـب مادي للمحطات التلفزيونية من خلال الإعلانات، والتصويت الهاتفي، وليس هذا المكسب ضئيلاً، فإذا حسـبنا تجهيزات البرنامج، وأجور الفـرقـة الموسـيقـية، وأجور النجوم الذين يأتون بهم أعضاء في لجان التحكيـم، سنجد أن هذه المحطة أو تلـك تـنفق ملايين كثيرة، وهمّها الأول والأخير الربح، ولنا بعد ذلك أن نتصور مدخولها من هذه البرامج.
وتـثار أسـئلة كثيرة حول هـذه البرامج المسـتـنسخة من برامـج أجنبيـة (أميركيـة في أغـلب الحالات) وبالتالي على المحطة العربيـة أن تدفع في البداية للقـناة الأجنبـية لتـمنحها شـرف إنتاج برنامج مستنسخ بغباء وفجاجة.
هـل نحن بحاجة إلى اكتـشـاف مزيد من المطربين والمطربات ولاعـبي الأكروبات؟ أليس لدينا ما يفيض عن الحاجـة؟ هـل أعضاء اللجان مؤهلـون للحكم عـلى المتسـابقين واختـيار الأفضل؟ ألا تعتـقدون أن معظم هـؤلاء سيفـشلون إذا تقدموا إلى مسـابقة غـنائية جادة؟ هل يسـتحق إطلاق مغـنّ جديد هـذه الملايين كلها؟ تعلـن اللجان كلهـا أن الحكم في النهايـة هـو الجمهـور من خلال الاتـصالات والرسـائل القصيرة، فهل جمهورنا مؤهل للحكم على هذه الأصوات حكمـاً فـنيـاً صحيحـاً؟ ألا تـتحـول عـملية التصويت إلى تعـصب قُـطري مقيـت فيصوت المصريون للمصري والعراقيون للعراقي وهكذا؟ وخدعة التصويت هذه تدر على المحطة ما يعادل تكاليف البرنامج مع الربح، كما تعلن قنوات عن مسابقة لربح مبالغ كبيرة دون جهد، من أين تأتي بهذه المبالغ؟ من أجور الاتصالات.
يمكن أن يكون الجمهـور حكماً صحيحاً لو أن هذا الجمهور مسـلح بثـقافة موسـيقـية غنائية علمية، فهـل لدى جمهـورنا مثل هذه الثـقافة؟ إن الموسـيقى مادة أسـاسـية في تعـليم البلـدان المتـقدمة حتى الصف التاسـع، وعلى الطالب أن يتـقن العزف على آلة موسيقية واحدة على الأقل، فهل في جمهـورنا من يعـرف الفروق بين المقامات الموسـيقـية (ما الفرق بين الراست والحجاز؟) والفروق بين الإيقاعات (بين المصمودي والسماعي)؟ لـو كان جمهورنا العربي هكذا هـل كنا نرى المهـيمنـين على السـاحة الغـنائية العربية مـن الأميـين موسيقياً؟
لا أقول إن ما تمر به أمتـنا يرفض إضاعـة الجهد والوقـت والمال فـيما لا يفـيد، كل شـيء يفيد، وقد عاشـت أثينا حتى الآن، بينما لا يذكر أحد إسـبارطة التي لم تكن تؤمن بشـيء إلا بالعقلية العسكرية وإعداد المحاربين، ولكن أثينا المسرح والموسيقى والرياضة والفلسفة لم تكن ضعيفة بل انتصرت على الفرس، ولم ننتصر على أحد لا عسكرياً ولا فنياً.
إن عـلينا أن نربي أجيالنا تربيـة صحيحـة فيها الموسـيقى والعلوم واللغات، وعندها يـمكن للجمهور أن يحكم ويفرز ويقرر.
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
29/04/2019
1815