+ A
A -
أثارت التفجيرات الإرهابية التي استهدفت سريلانكا في يوم تجمع الناس، في الكنائس والفنادق، احتفالا بعيد الفصح المجيد، الاستغراب لدى الرأي العام العالمي لكون سريلانكا بلدا مسالما وليس منتميا في سياساته الدولية إلى محور من المحاور، ويحرص على تطوير وتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الجميع، لاسيما وأنه بلد يعتمد في جزء أساسي من مداخيله على السياحة.. لقد كان واضحا أن التفجيرات الإرهابية، التي أعلن داعش مسؤوليته عن تنفيذها لاحقا، قد هدفت إلى إيقاع أكبر عدد من الضحايا لإحداث الرعب والهلع لدى السريلانكيين، وبالتالي إثارة الفتنة الطائفية فيما بينهم، واستطرادا دفع سريلانكا إلى أتون الفوضى والاضطراب.. من يقف وراء مثل هذه الجرائم الإرهابية وما هي الأهداف المبتغاة منها؟..
من المعروف أن واشنطن، هي المسؤولة عن صناعة تنظيم داعش الإرهابي (باعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون)، وإن هذا التنظيم لا يقدم على استهداف أي بلد إلا إذا كان هناك مصلحة أميركية في ذلك... من المعروف أن سريلانكا ترتبط بعلاقات جيدة مع كل من الولايات المتحدة والصين.. لكن في الآونة الأخيرة حصل تطور مهم في علاقاتها مع الصين تجلت في حصول الأخيرة على عقد باستئجار وتطوير ميناء استراتيجي في هامبانتوتا الواقعة عند أنشط طريق شحن يصل بين الشرق والغرب في العالم، ما يؤمن للصين موطئ قدم استراتيجي في هذه المنطقة الحيوية المهمة في سياق المشروع الصيني الاقتصادي الكبير لإعادة إحياء طريق الحرير، والذي تطلق عليه بكين اليوم، «الحزام والطريق».. هذا التطور نظرت إليه واشنطن بقلق لأنه يطيح بخططها لمواجهة تنامي وتوسع نفوذ الصين، التي أصبحت قوتها الاقتصادية، الصاعدة إلى القمة، تشكل أكبر تحدٍ للقوة الاقتصادية الأميركية، التي تشهد تراجعا ملموسا في هيمنتها على الأسواق العالمية، نتيجة المنافسة القوية التي تواجهها المنتجات والسلع الأميركية من قبل مثيلاتها الصينية، التي باتت تغزو وتكتسح الأسواق في آسيا وإفريقيا، وحتى في الولايات المتحدة نفسها، ما دفع ترامب للعودة إلى اعتماد سياسة الحمائية عبر رفع الرسوم على السلع الصينية المستوردة.. على أن القلق الأميركي من تطور العلاقات الاقتصادية والتجارية بين سريلانكا والصين، اضطر واشنطن إلى التراجع عن قرار سابق بوقف التعاون العسكري مع سريلانكا، والذي تجسد في وقف مبيعات الأسلحة الأميركية إليها خلال حرب التاميل الانفصالية التي انتهت عام 2009، فأعلنت الولايات المتحدة، مؤخرا، أنها ستمنح سريلانكا تمويلا عسكريا قيمته 39 مليون دولار لتعزيز أمنها البحري.. وقالت السفارة الأميركية في كولومبو أن وزارة الخارجية ستقدم هذه الأموال كتمويل عسكري خارجي بانتظار موافقة الكونغرس..وأضافت:«نتطلع إلى أن نناقش مع حكومة سريلانكا كيف يمكن لهذه المساعدة دعم مبادرة خليج البنغال وأولويات سريلانكا المتعلقة بالمساعدة الإنسانية والاستجابة للكوارث»..
ويبدو من الواضح أن استئناف المساعدات العسكرية الأميركية إنما يندرج في سياق سعي واشنطن للتصدي إلى النفوذ الصيني المتزايد في هذه الجزيرة المهمة الواقعة على مفترق طرق بحري دولي بين الشرق والغرب.. غير أن الإدارة الأميركية تدرك بأن هذه المساعدة رمزية، حتى ولو جرى رفعها إلى 300 مليون دولار، وهي ليست كافية لدفع الحكومة السريلانكية للاستغناء عن المساعدات الصينية الكبيرة غير المشروطة، والتي تسهم في تطوير الموانئ السريلانكية والتخلص من عبء الديون المترتبة على سريلانكا للصين، وقيمتها 1.4 مليار دولار..
وفي ظل السياسة الأميركية في عهد ترامب والقاضية بابتزاز الدول التابعة لواشنطن للحصول منها على الأموال لمعالجة الأزمة الاقتصادية الأميركية، فإن واشنطن لن تكون قادرة على منافسة بكين في تقديم نفس الحجم من المساعدات المالية لسريلانكا، ما يعني أن السعي الأميركي لاحتواء سريلانكا وإضعاف علاقتها مع الصين، يحتاج إلى وسائل وأدوات أخرى مساعدة وأكثر فعالية وأسرع في تحقيق هذا الهدف الأميركي.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
27/04/2019
2064