+ A
A -
كما كان متوقعاً لكل مراقب ذي بصيرة من العاملين في ساحة العمل السياسي الفلسطيني اليومي بتشعباته، وتفاصيله، وتداخلاته، وبعد لقاءات موسكو الفلسطينية، أنَّ مشوار إعادة بناء الوحدة الوطنية الفلسطينية مازال مُتعثراً وطويلاً. وأن شطحات التفاؤل التي كانت تَطُلُ بنفسها من حين لآخر، لم تكن سوى رغبات وأمنيات لا علاقة لها بحقيقة الوضع القائم على الأرض، وتداخلاته الإقليمية وحتى الدولية، التي مازالت تُشكِّلُ حتى الآن العقبة الكأداء على طريق إنجاز المصالحة الوطنية التامة التي يَنشُدَها وينتظرها الفلسطينيون بحرارة عالية في الداخل والشتات.
نشاهد في ما ذهبنا إليه، مجموعة الأحداث المتتالية في قطاع غزة، ومعها تطورات الضفة الغربية، في ظل المناداة الفلسطينية من قبل غالبية فصائل العمل الوطني بإنهاء ملف الانقسام الداخلي، بالرغم من التضارب في المواقف بين أطراف المعادلة الفلسطينية تجاه ما يجري في فلسطين مع انسداد افق التسوية المطروحة وإصرار إدارة الرئيس الأميركي ترامب على طرح مشروعها المعنون بـ«صفقة القرن»، حيث يرى البعض أن الانتفاضة الثالثة قادمة لا محالة، وإنها خيار لابد منه لكسر المعادلة القائمة والخروج من شرنقتها، وإعادة الحضور للقضية الفلسطينية بعد انزياحها النسبي عن مسرح الأحداث. وبين من يرى أن الانتفاضة الثالثة ستكون حال اندلاعها انتحاراً فلسطينياً جديداً في ظل المعطيات الإقليمية الراهنة، وغياب الأسانيد والروافع العربية، ورغبة مُختلف الأطراف بما فيها الأطراف العربية بتجنب اندلاع المواجهات في الداخل الفلسطيني مع الاحتلال، حتى لو كانت بمظاهرها السلمية الشعبية. كما ترى ضرورة ترك الأمور للقنوات الدبلوماسية وحدها لا غيرها من أجل وقف التدهور الحاصل والضغط على حكومة نتانياهو لوقف إجراءاتها اليومية في القدس وعموم الأرض المحتلة لجهة توسع عمليات التهويد والاستيطان.
وحتى لا نُتهم بتسويق التشاؤم، وحتى نتكلم بموضوعية، بعيداً عن المبالغات وعن تسويق الرغبات، فقد بانت في الفترة الأخيرة، المساحة الواسعة من الافتراق في الساحة الفلسطينية، بالرغم من معسول الكلام الذي أطلقته حناجر الناس، وحناجر المتفائلين، والأمنيات المشروعة التي يريد المواطن الفلسطيني أن يرى تفعيلاتها على الأرض من خلال إغلاق ملف الانقسام وطيه. فالتباين البرنامجي بين طرفي المعادلة الفلسطينية مسألة لا يُمكن إغفالها بسهولة وبساطة، لكن بالمقابل يُمكن تجاوزها بإحداث واجتراح مقاربات مُمكنة، لا يعجز عنها العقل السياسي الفلسطيني حال توفرت النوايا والإرادة، وغابت العصبيات التنظيمية والاستحواذية.
الطامة الكبرى هنا، أن جزءاً كبيراً من خلفيات الانقسام في اللوحة الفلسطينية، يتمثل في غياب القناعة عند البعض بمسألة التشاركية الوطنية في صياغة وصناعة وإدارة القرار الوطني الفلسطيني على مستوياته المختلفة. حيث مازالت تعشعش في أذهان البعض عقلية وروحية منطق تقاسم الحصص (الكوتا). ومع ذلك، وبالرغم من كل المُعيقات، إن المصلحة الوطنية الفلسطينية، تتطلب من الجميع التغلب على المصاعب مهما بدت، من أجل إعادة بناء العقد الوطني التاريخي، بإنجاز وحدة الساحة الفلسطينية بالداخل والشتات. والعودة لترجمة نتائج الحوارات الوطنية الفلسطينية التي امتدت لفترات طويلة، فإنجاز الوحدة الوطنية وطي ملف الانقسام، شرط أساسي لابد منه لإحداث انتقالات إيجابية، جدية، وحقيقية في الوضع الفلسطيني، خصوصاً في ظل المرحلة الصعبة الحالية.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
19/02/2019
1833