+ A
A -
اهتدى بعض النصابين والمحتالين (لا هداهم الله إلى الخيرات) إلى طريقة يضحكون بها على عقول بعض المغفلين، ويسرقون بها أموالهم. أسسوا جمعية أو هيئة وأطلقوا عليها اسماً رناناً، وأشاعوا بين الناس أنهم يستطيعون أن ينسبوا كل إنسان إلى أجداده الأولين، وصولاً إلى الجد الأول الذي يكون عادة أحد الصحابة الأخيار رضي الله عنهم جميعاً، ثم يعطون المغفل الذي يأتي إليهم بطاقة بلاستيكية مطبوعة بأناقة، تشبه البطاقة الشخصية التي نستخدمها جميعاً، وفيها شهادة بأنه ينتسب إلى الصحابي فلان الفلاني.
رأيت بيد أحد هؤلاء المغفلين بطاقة تثبت أنه ينتسب إلى سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه، مع أن الثابت تاريخياً أن ابن الوليد لم يعقب، أي ليس له أحفاد، المهم أنهم قبضوا منه ما يساوي 70 دولاراً أي أكثر من راتب مهندس بعد خدمة 10 سنوات، ورأيت في يد آخر بطاقة تثبت أنه من نسل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم أجادل هذين ولا غيرهما، بأنهما كانا ضحية عصابة منظمة من المحتالين.
توفي أبو بكر رضي الله عنه سنة 13 هـ - 634 م أي إن بيننا وبينه 1428 سنة هجرية أو 1385 سنة ميلادية، وبحسب ابن خلدون يقسم القرن إلى ثلاثة أجيال، أي إن بيننا وبين أبي بكر أكثر من أربعة عشر قرناً، أي 42 جيلاً، فكيف استطاع هؤلاء تتبع هؤلاء الأجداد جميعاً للوصول إلى أبي بكر؟ ما مؤهلاتهم العلمية والتاريخية والثقافية ليصدروا هذه الأحكام؟ إنهم يلعبون على مرض متأصل فينا جميعاً هو الاعتزاز بالماضي والتفاخر بالأنساب، وهذا ما نهى عنه الإسلام نهياً قاطعاً. سئل الإمام جعفر الصادق بن الباقر محمد بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم جميعاً: أأنت حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأجاب رضوان الله عليه: إن صدقت الوالدة، يا للتواضع! وبعد أربعة عشر قرناً أو تزيد، يأتيني هذا أو ذاك ليقول إنه حفيد الصديق أو الفاروق أو أبي عبيدة أو غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم.
يلخص هذا الأمر بيتان من ثلاثة للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو أول هاشمي أبوه وأمه هاشميان، قال الإمام
كن ابن من شئت واكتسب أدباً يُغـنيـكَ محمـودُه عـن النسَبِ
إنّ الـفـتى مـن يـقــولُ هـا أنـذا ليس الفـتى من يقولُ كان أبي
ولعل الإمام كرم الـلـه وجهه يسـمح لي بأن أسـتبدل «عملاً» بقـوله «أدباً» فيصيـر البيت الأول
كن ابن من شئت واكتسب عملاً.
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
04/02/2019
12202