+ A
A -
محاولات الدول العربية والإسلامية استيراد الديمقراطية كلها باءت بالفشل الذريع، لأن الثابت الوحيد في التاريخ الإسلامي هو الطائفية، لذلك لا يمكن للمستورد أن يحل محل الثابت ما لم يحدث تغير في الثابت يجعله متحولا أوقابلا للتحول. الحروب الإسلامية مستمرة منذ مئات السنين منذ مقتل الحسين وحرب الجمل وصفين حتى تاريخنا المعاش حاليا، لم يورث سوى البغض والحقد والشحناء يخفت حينا ويشتعل أحيانا. في حين الحروب الدينية في أوروبا استمرت لعشرات من السنين وأمكن تجاوزها بتكريس الديمقراطية والعلمانية التي تعني حيادية الدولة أمام الأديان. كيف يمكن لنا أن نفكر في الخروج من الصراع الإسلامي- الإسلامي،؟ كما خرجت أوروبا من الصراع المسيحي- المسيحي؟ استدعاء الديمقراطية كآليات وحده لا يكفي، فقد أنشأنا مجالس صورية ومنتخبة، وأقمنا انتخابات نزيهة ومغشوشة، ففاز الأغلبية، ودخلنا في عراك وصراع أشد مما كنا عليه سابقا، لأن الطائفية والقبلية لا يزالان هما الثابتان في الحياة السياسية الإسلامية والعربية، الحل في اعتقادي في «علمانية إسلامية».

أعرف اشمئزاز الكثير من هذا المصطلح وربما سأتعرض للنقد وأكثر جراء استخدامه، لكنني أعتقد أننا فعلا في حاجة ماسة لوجود حالة من الحياد بين معتنقي الدين الواحد حول الاعتقاد التي تنطلق منه كل طائفة من طوائفه، بدلا من حالة التكفير، لأن الأحقاد في المجتمعات ذات البناء الاجتماعي القبلي والطائفي تصبح قوانين مع الزمن وتتصلب مع مروره حتى تصبح عقائد ويصبح الأمر قتالا لا ينتهي وهو ما نشهده اليوم، كسر حالة الحقد المتوارث بين السنة والشيعة تتطلب حيادية إسلامية بين جميع الطوائف تجاه الطوائف الأخرى، عندما نتحدث عن الدولة الوطنية لاسبيل إلى إقامتها في مجتمعاتنا الإسلامية إلا بحالة من الحياد المذكور داخل أفراد الدين الواحد قبل الوصول إلى حالة حياد الدولة تجاه مكوناتها وأديانها، لكن كيف يمكن إقامة حياديه إسلامية «علمانية إسلامية» والجميع يعلن أنه على حق والآخر على باطل ولابد من اجتثاثه؟ هذه مسؤولية كبرى تتطلب أولا التخلص من الهيراركية الدينية التي تأمر والعوام ينفذون، أوروبا أولا انتزعت من الكنيسة صلاحيات كثيرة وأعطتها للدوله، الدولة عندنا تعتمد على الهيراركية الإسلامية في وجودها، حتى وإن جرى الكلام عن عدم وجود اكليروس في الإسلام ولكنه حقيقة موجودة في الجزء الشيعي بشكل بارز وفي الجزء السني بشكل أقل بروزا لكن تأثيرهما قوي جدا على مجتمعاتهما، ما لم تتأصل حالة الحياد داخل التيارات والطوائف الإسلامية-الإسلامية، ل يمكن بناء دولة وطنية، وبدون بناء دولة وطنية لا يمكن الخروج من حزام الاقتتال الناري الذي نشهده منذ موقعة الجمل و«صفين» المصحف واحد لكن التفسيرات والنصوص ثابتة، وكأن الزمن لا يتحرك بها مرورا وإن تحرك بأصحابها المؤمنون بها وبأرضها التي نزلت على أسلافهم بها، لا ينفع الكلام عن انتخابات ولاعن ديمقراطية والمجال العام لا يسمح بحيادية تمكن الآخر من نفس الدين من البقاء دونما تكفيره وإخراجه من الملة، ناهيك عن الآخر المختلف دينيا والأقلية المختلفة عرقيا ودينيا، اللهم الطف بأمة محمد عليه الصلاة والتسليم، وردهم إلى دينك وأخرجهم من ضيق التكفير إلى فضاء الإسلام الواسع الذي نزل على جميع الرسل حتى ختم بنبينا الكريم.

عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
02/05/2016
390