+ A
A -
من الواضح أن الولايات المتحدة الأميركية، بعد أن استخدمت كل وسائل الحرب الناعمة لإسقاط نظام الحكم الرافض للهيمنة الأميركية في فنزويلا، لجأت إلى إعلان الحرب واستخدام كل الأسلحة الاستعمارية الخونة في ما يشبه الرمي بكل ثقلها وإمكانياتها وتوظيف كل تحالفاتها لتنظيم عملية انقلاب مكشوفة وسافرة، للإطاحة بحكم الرئيس نيكولاس مادورو خليفة الرئيس الراحل هوغو شافيز الذي قاد تحرير بلاده من التبعية لواشنطن وساهم في تعزيز الخط التحرري في أميركا اللاتينية، وفي هذا السياق أعلن الرئيس دونالد ترامب الاعتراف برئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو رئيسا انتقاليا بعد أن شجعه على خطوته الانقلابية وتنصيب نفسه رئيسا انتقاليا.
وبدا واضحا أنه في إطار خطة واشنطن للإطاحة بالرئيس مادورو، مسارعة بعض الدول التابعة لواشنطن في أميركا اللاتينية إلى الحذو حذو واشنطن في الاعتراف بغوايدو، فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عن البدء بالتحضير لعقد اجتماع إقليمي لدعم الانقلاب ومطالبة مادورو بالرحيل، زاعما أن «نظام مادورو مفلس وغير كفء في الناحية الاقتصادية لذا تصريحاته غير شرعية».. وهو دليل على مدى السفور الاستعماري الأميركي في التدخل في شؤون دولة ذات سيادة وإعطاء واشنطن الحق لنفسها أن تقرر، نيابة عن الشعب الفنزويلي، ما إذا كان رئيس فنزويلا كفؤا لحكم بلاده من الناحية الاقتصادية أم لا.. والأكيد أن بومبيو يقصد بذلك أن مادورو ليس أهلا لخدمة المصالح الاقتصادية لواشنطن التي تريد رئيسا مطواعا يمكنها من استعادة هيمنتها على ثروات فنزويلا وفي مقدمها النفط الذي كانت شركاتها تنهب معظم عائداته، بالتواطؤ مع حكم اليمين ورجال الأعمال، وتحرم الشعب الفنزويلي من الاستفادة منها في تحقيق تنمية بلاده وانتشاله من الفاقة والعوز..وهو ما تبدل وصول شافيز إلى السلطة وانتهاج خط تحرير النفط من سيطرة الشركات الأميركية..
واللافت أن الاتحاد الأوروبي تولى دور تمرير خطة الانقلاب الأميركية، من خلال طرح «إجراء انتخابات تحظى بالمصداقية والشمول» حسبما صرحت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد فيريكا موغيريني..
لكن السؤال هل تنجح هذا الخطة الأميركية للإطاحة بحكم الرئيس مادورو؟
الواضح أن الواقع في فنزويلا وعلى الصعيد الدولي لا يعمل لمصلحة الخطة الأميركية، فعلى صعيد الوضع الداخلي، ليس هناك أخطاء أو ثغرات في حكم مادورو تمكن اليمين من الاستناد إليها للإطاحة به كما حصل في البرازيل مع الرئيسة المنتخبة ديلما روسيف، فقد فشل اليمين الفنزويلي في إسقاط الشرعية الدستورية والشعبية عنه، وظهر ذلك بوضوح من خلال استجابة الغالبية الشعبية لنداء مادورو بالنزول إلى الشارع والتعبير عن دعمهم له ضد الانقلاب الأميركي، وقرار مادورو بالتصدي للانقلاب الأميركي وإعلان قطع العلاقات مع الولايات المتحدة والطلب من الدبلوماسيين الأميركيين مغادرة البلاد في غضون 72 ساعة، فيما وزير الدفاع فلاديمير بادرينو أعلن أن الجيش الفنزويلي لن يعترف بإعلان رئيس البرلمان المعارض خوان غوايدو نفسه رئيسا للبلاد، وإن جنود الوطن لا يقبلون برئيس مفروض في ظل مصالح غامضة أو أعلن نفسه رئيسا بطريقة غير قانونية وإن القوات المسلحة «تدافع عن دستورنا وتضمن السيادة الوطنية».. هذا الموقف للجيش إلى جانب تأييد الغالبية من الشعب يشكل ميزان قوى داخلي لمصلحة الرئيس مادورو يحبط آمال واشنطن والقوى اليمينية الموالية لها في المراهنة على التأثير على موقف الجيش ودفعه للتخلي عن دعم حكم الرئيس مادورو..
أما على الصعيد الدولي فإن العديد من دول العالم أعلنت رفض التدخل الأميركي في شؤون فنزويلا الداخلية وأكدت ضرورة احترام شرعية الرئيس مادورو وهذه الدول لها وزنها وتأثيرها في مواجهة سياسة الهيمنة الاستعمارية الأميركية، وكان لافتا رد الفعل الروسي الذي جاء قويا وشديد اللهجة في مواجهة التدخل الأميركي لإسقاط الرئيس الفنزويلي المنتخب ديمقراطيا، حيث أعلن المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف:«نعتبر محاولة اغتصاب السلطة في فنزويلا انتهاكا للقانون الدولي وان نيكولاس مادورو هو رئيس الدولة الشرعي للبلد الواقع في أميركا الجنوبية»، وقال بيسكوف إن«الإشارات الأميركية بإمكانية التدخل العسكري في فنزويلا أمر خطير جدا».. في حين اتصل الرئيس فلاديمير بوتين بنظيره الفنزويلي مادورو وأكد دعمه له.. هذا الموقف الروسي يعكس طبيعة العلاقات التحالفية بين موسكو وكاراكاس اللتين يجمعهما عدو مشترك يفرض على البلدين عقوبات اقتصادية، وتربطهما اتفاقيات ضخمة.
بقلم: حسين عطوي
copy short url   نسخ
26/01/2019
1999