+ A
A -
فجأة، انتبه الفنانون السوريون الموالون للنظام السوري إلى الحالة اللاإنسانية التي يعيش فيها السوريون الذين بقوا في سوريا حتى الآن، فجأة أدركوا أن شروط الحياة في سوريا باتت معدومة، فالشتاء الحالي قاسٍ جدا، والناس تعاني من انقطاع كل وسائل التدفئة:
الكهرباء والغاز والمازوت والجاز، حتى الحطب بات وجوده نادرا في سوريا بعد أن تم حرق غوطة دمشق عن بكرة أبيها في عمليات (التحرير)، فجأة انتبهوا إلى حالة الغلاء الفاحش المسيطرة على البلد مقابل قلة الموارد والدخل الشحيح العائد إلى المواطن السوري، فجأة انتبهوا إلى أن هناك تجارا لما يسمونها (أزمة) يريدون أن يبقى الحال على ما هو عليه، لأنهم المستفيدون الوحيدون مما حصل، فجأة انتبهوا لما يحصل في البلد وبدؤوا بتدبيج الرسائل إلى (السيد الرئيس)، مفترضين أن (السيد الرئيس) رغم (الانتصار الكبير) مازال مشغولا بتصفية البلد من بقايا (الإرهابيين) المسببين للحرب، ولا وقت لديه للانتباه لما يحدث للمواطنين، فلا بأس من لفت نظره إلى ذلك على صفحات الفيسبوك، فـ(السيد الرئيس) ما أن سيقرأ ما كتبه فنانوه المفضلون فإنه سوف يأخذ زمام المبادرة دون تردد، وسيعاقب المسيئين والفاسدين الذين يضرون بمصلحة الوطن والمواطنين، ويحولون (الانتصار الكبير) إلى نكبة!
لا تخلو رسائل الفنانين إلى (السيد الرئيس) التي أرسلها أيمن زيدان وشكران مرتجى، وربما سنقرأ المزيد خلال الأيام القادمة من فنانين آخرين، لا تخلو من الطرافة أو لنقل: لا تخلو من الكوميديا السوداء، فالانتباه لما يحدث جاء متأخرا كثيرا، متأخرا ربما أكثر من خمسة عشر عاما، إذ أن سوريا غارقة بما هي فيه الآن منذ زمن طويل، منذ ما قبل 2011 بكثير، فساد وغلاء معيشة وتقنين في المياه والكهرباء ووسائل التدفئة، وضعف في الدخل الشهري، وازدياد في الفوارق الطبقية بفعل الإثراء الفاحش لفئات قليلة في دوائر النظام والفساد المال والإداري، والقضاء الممنهج على الطبقة الوسطى، عبر إفقارها وتهميشها، والقضاء على البرجوازية السورية التقليدية، عبر إقصائها تماما لصالح فئات جديدة (محدثة النعمة) بكل المنظومة القيمية شبه المعدودة لطبقة محدثي النعمة،
هل كان من الواجب تذكير الفنانين السوريين (محبوبي النظام)، أن السوريين الذين خرجوا ذات يوم ببداية 2011 مطالبين بالتغيير، كان خروجهم نتيجة تفاقم سوء أوضاعهم المعيشية والاقتصادية وتهميشهم تماما على المستويين الاجتماعي والسياسي، والاقتصادي بطبيعة الحال، هل يتذكر هؤلاء الفنانون أن اقتصاد السوق، الذي انتهجه نظام بشار الأسد باكرا كان السبب فيما وصلت إليه حال البلاد؟ هل يتذكرون أيضا أن (الأزمة) التي يتحدثون عنها حصلت لأن (السيد الرئيس) رفض التنازل، ولو بخطوات بطيئة، عن سياساته الاقتصادية والأمنية والعسكرية؟ هل يتذكرون أن (السيد الرئيس) هو من أعطى الأمر الأول بإطلاق الرصاص على المتظاهرين من أبناء الشعب السوري لمجرد مطالبته بالتغيير؟ هل يتذكرون كيف خونوا المئات من زملاء لهم، فنانين ومثقفين، يوم بيان الحليب الشهير الذي طالب بفك الحصار وإدخال حليب الأطفال إلى درعا السورية؟!
أما الحديث عن (الانتصار) في رسائلهم، إضافة إلى تبرئة (السيد الرئيس) مما يحدث، ما هو إلا دليل صريح على انفصالهم عن الواقع أو محاولتهم المستميتة لإنكار الحقائق الواضحة، وتبييض صفحة (السيد الرئيس)، فالانتصار المزعوم تم على أيدي الاحتلال الروسي الذي استقدمه النظام ليقضي على كل أثر متبقٍ للثورة السورية العظيمة، والانتصار المزعوم ذاته، الذي يريدون أن يحتفلوا به منجزا بالكامل، هو انتصار على السوريين أنفسهم، معارضين وموالين وصامتين، وحدهم السوريون من دفع الثمن الكبير، السوريون الفقراء، من كانوا ذات يوم هم الطبقة الوسطى، أما محدثو النعمة فهم أنفسهم قبل (الأزمة) وبعدها، أتاح لهم نظام (السيد الرئيس) كل ما يمكنهم من سرقة البلد ونهبها والمتاجرة بكل ما يخطر في البال.
أما ما يجب لفت نظر الفنانين إليه، فهو التالي: لو أن السوريين يعتبرون أن سوريا انتصرت على المؤامرة الكونية، فلماذا مازال الهروب من سوريا يتم حتى هذه اللحظة حتى في من المناطق التي لم تطلق بها طلقة واحدة، ولماذا يفضل لاجئو الخيم في الدول المحيطة، العيش بأسوأ ظرف إنساني ممكن ولا يفكرون بلحظة العودة إلى حضن الوطن العظيم؟!
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
15/01/2019
2874