+ A
A -
قبل أيام احتفل العالم بيوم اللغة العربية، التي أوصت منظمة اليونيسكو الدولية عام 1973باعتمادها كواحدة من اللغات المستخدمة والمعتمدة في المنظمة ومؤسساتها حول العالم، وصنفتها كسادس لغة عالمية، ضمن تصنيفها للغات الرسمية المعتمدة من قبلها، وفي عام 2012، احتفلت المنظمة لأول مرة، بيوم اللغة العربية، وجعلت من يوم التاسع عشر من ديسمبر يوما عالميا لها، ولعله ليس من قبيل المصادفة أن تحتفل اليونيسكو بهذا اليوم لأول مرة في عام 2012، حيث الزمن العربي وقتها كان في أوج تفجره وحيويته، كان أمل التغيير ما زال وهاجا لدى الجميع، كانت اللغة العربية التي أصابها العجز والكبر خلال عقود طويلة من الصمت والموات الاجتماعي والثقافي والفكري، في طريقها لأن تجدد شبابها بفضل حناجر شباب العرب، استطاعت اللغة العربية أن تعيد فرض نفسها كلغة لشعب حي، مع بدايات الربيع العربي، الذي كان يفترض به أن يحدث تغييرا إيجابيا وقويا في حال العرب، تغييرا كان سينعكس حتى على المنطوق اللغوي، وعلى اللغة التدوينية، وهو ما التقطته منظمة اليونيسكو في ذلك الحين، فخصصت يوما عالميا للاحتفال بهذه اللغة الجميلة والاستثنائية، غير أن ما حدث أودى بكل شيء، لاعبو السياسة الكبار في العالم رفضوا هذا التغيير، لا يريدون أي مستقبل مضيء في بلادنا، لا يسمحون لنا بالعيش كما تعيش شعوبهم، صنفونا من قبل عالما ثالثا وعلينا أن نبقى كما تم تصنيفنا، لا يحق لنا لا التقدم ولا التطور ولا الديمقراطية ولا حتى الحلم بالتغيير، محاولة تحقيق الحلم تحولت إلى دماء تسيل ولا تتوقف، وتحولت بلادنا إلى مقابر مفتوحة، وشبابنا إلى تراب، أما المستقبل فلم يعد يظهر منه سوى السواد الممتد إلى ما لا نهاية. وفي نفس السياق استطاعوا تحويل اللغة العربية، من لغة الشعر والنثر الجميل إلى لغة توضع تحت بند الإرهاب، أرادوها رمزا للموت والقتل واللجوء، ونجحوا في ذلك، صار سماعها لدى الآخرين مسببا للخوف والذعر، فقد يكون الناطق بها إرهابيا يحمل معه الموت، أو قد يكون لاجئا (متخلفا) قادما إلى دول العالم المتحضر ليشارك شعوبه خيارات هذا العالم، سقط الجمال من اللغة لصالح بشاعة الموت، وسقطت الفها الطويلة المنتصبة لصالح كسرة الخوف والهرب واللجوء والذل، وسقط حنان الضم فيها لصالح سكون الحياد والخرس رعبا، وبدل إحيائها وتجديدها عبر تجديد حياة الناطقين بها، جمدت وأعيدت قرون إلى الخلف، في محاولة لإماتتها كما تمت إماتة حلم التغيير، وكما تمت إماتة المستقبل. يضاف إلى كل ما سبق حال الناطقين بالعربية أنفسهم، والدونية التي يشعرون بها تجاه اللغات الأخرى، سيما اللغتين الإنجليزية والفرنسية، لغات الاستعمار القديم، إذ يتعامل كثيرون من العرب مع لغتهم الأم بوصفها لغة العامة، مصنفين أنفسهم كنخب اجتماعية يجب عليها التمايز عن الطبقات الاجتماعية الأخرى، اللغة هي الوسيلة الأولى لهذا التمايز، فينطقون لغة أخرى، هي نفس اللغة التي كان الاستعمار يستعلي بها عليهم فترة وجوده، وهي بكل حال واحدة من الصفات التي تدل على وضع الفرد العربي وحالة الانهيار والتراجع في الانتماء التي هو عليها، فاللغة بشكل من الأشكال هي انتماء ووطن، محاولة التنصل والتبرؤ منها هي في الأساس رفض لاواعي للمكان الذي ظهرت فيه هذه اللغة، وتبرؤ من هويته، فاللغة ايضا هوية، وهو ما يعني محاولة التبرؤ من الهوية التي تجمع الملايين، ومحاولة الالتصاق بهويات شعوب طالما مارست العنصرية ضد العرب. من سوء الحظ، أن لغتنا العربية الجميلة ستبقى على حالة تدهورها وتراجعها عالميا طالما نحن في هذا الوضع السيئ والمتدهور، وحده التغيير الجذري على كل المستويات، السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، هي ما يمكنه أن يحدث تغييرا إيجابيا في اللغة.
بقلم: رشا عمران
copy short url   نسخ
25/12/2018
2103