+ A
A -
تحل غداً ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام، حسب التقويم الغربي والكنائس الغربية، وهو الأشهر عالمياً باسم عيد الميلاد، مع أن للكنائس الشرقية رأياً مختلفاً وتاريخاً مختلفاً، ولكن صوت الكنائس الغربية أعلى، لارتباطها بالدول التي كانت ذات يوم تسيطر على العالم، وما زالت هي الأقوى سياسياً واقتصادياً، والأهم إعلامياً وثقافياً. المجد لله في العُلى، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة. هذه ترنيمة مسيحية وجزء من صلاة، ولا نختلف معها: المجد لله في العلى، هذا ما تعتقده الديانات السماوية كلها، وهذه قاعدة راسخة في العقول والوجدان، وبعد ذلك يأتي الاختلاف. أي سلام على الأرض؟ وهل التزم أتباع عيسى ابن مريم عليهما السلام بنشر السلام على الأرض؟ أم سولت لهم أطماعهم أن يعيثوا في الأرض فساداً، يستعمرون ويحتلون ويقتلون ويسرقون خيرات الأرض؟ وكما قال أحد زعماء العالم الثالث «عندما جاء المبشرون أعطونا الكتاب المقدس، وعلمونا قراءته، وعندما كنا مشغولين بالقراءة، كانوا قد سرقوا خيرات الأرض». وفي الناس المسرة، لنتأمل أحوال الناس الآن من مشرق الأرض إلى مغربها، أي مسرة «سعادة» سنجد؟ أكثر من مليار جائع، ومئات ملايين الفقراء، والحق الضعيف لا يجرؤ على مقاومة الباطل القوي، وشعوب خائفة من الغد لأنه لا يحمل إلا المزيد من القمع والاضطهاد والفقر والجوع، ويلهون الشعوب بسفاسف الأمور وصغائرها ويمتصون دماءها، فأين هي المسرة يا هؤلاء؟ وأود في هذه المناسبة أن أعرج على شاعر عاش فقيراً متعباً مطارداً، وقضى نصف حياته مع المرض الذي لا شفاء له، إنه الشاعر العراقي بدر شاكر السياب الذي تتوافق ذكرى ميلاده ووفاته مع ذكرى ميلاد السيد المسيح، فقد ولد في 25 ديسمبر 1926، وشاءت إرادة المولى أن تفيض روحه إلى بارئها في 24 ديسمبر 1964 أي إنه عاش ثمانية وثلاثين عاماً تنقص يوماً واحداً. السياب ابن قرية جيكور من محافظة البصرة، قامة شعرية عظيمة، قلّ أن تجد لها مثيلاً في شعراء القرن العشرين، ولاسيما بين شعراء «التفعيلة» عاش مع الفقر والتشرد من عاصمة إلى أخرى، مفتقداً كل شيء حتى الحب، ولذلك ظل يصرخ «أحبيني فكل من أحببت قبلك ما أحبوني» والحقيقة أنه لم يكن فيه ما يمكن أن يجذب امرأة إلا شعره الذي كان متقدماً فيه كثيراً بحكم موهبته الفذة، وثقافته الواسعة العميقة، واطلاعه على الآداب العالمية، لأنه كان يتقن الإنجليزية، وله ترجمات رائعة منها، قيل الكثير عن شعراء هذه الموجة، وعن ريادة السياب، ولكن كما قال لي ناقد عراقي كبير «السياب يسكن بين أصابعهم والقلم مهما أنكروا».
بقلم: نزار عابدين
copy short url   نسخ
24/12/2018
2367