+ A
A -
من وادي السليكون في الولايات المتحدة الأميركية، اشتعلت الحرب الجديدة، حرب الرقائق الإلكترونية، دون نار، ودون مدافع وطائرات، فهي «الحرب النظيفة» التي سماها البعض من المتنفذين في مواقع القرار الأمني والعسكري في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، حين عملت الولايات المتحدة على السعي إلى عرقلة جهود ومساعي الصين الشعبية للتمكن من التكنولوجيا الرقمية، فعمدت إدارة الرئيس أوباما عام 2015 إلى منع شركة (انتل) من بيع رقائق إلكترونية للصين الشعبية، وتم إحباط عملية شراء صينية لشركة (اكسترون) الألمانية المنتجة لأنصاف النواقل. وقد تضاعفت قوة هذه المساعي بعد وصول الرئيس دونالد ترامب إلى موقع القرار في الولايات المتحدة. حرب الرقائق الإلكترونية، تشنها واشنطن الآن، وبضراوة ضد بكين، حيث تم قبل أيام توقيف المديرة المالية لشركة (هواوي) الصينية (منغ وان شو) من قبل السلطات الكندية بناء على مذكرة اعتقال أميركية، في مؤشر واضح على أن استراتيجية الاحتواء الأميركية المعتمدة ضد الصين الشعبية تنشط الآن في مجال التكنولوجيا الرقمية، وكل ذلك في سياق الحرب الاقتصادية والتجارية بينهما. فالتقديرات والتحليلات تتحدث عن حرب باردة تكنولوجية تدور رحاها بين الصين والولايات المتحدة، بينما هي في حقيقتها حرب باردة أميركية على الصين بشكلٍ جديدٍ، وبأدواتٍ جديدةٍ. فواشنطن تستغل الآن الضعف الصيني النسبي في امتلاك تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية - التي هي أساس الاقتصاد الرقمي - لزيادة مستوى الضغوط على الصين الشعبية في سياقات الحرب الاقتصادية المُتقدة بين الطرفين كاتقاد النار تحت الجمر المُشتعل. الولايات المتحدة وحلفاؤها، ككوريا الجنوبية وتايوان، تُسيطر على القطاع الأكثر تطوراً في هذه الصناعة. أما الصين، فهي لاتزال تستورد الرقائق الإلكترونية المتطورة من الخارج وتنفق عليها أكثر مما تنفق على وارداتها من النفط. وبالتالي تعاني الصين الشعبية من التبعية في هذا القطاع الحيوي بالنسبة إلى مستقبلها وهو ما يُشكّل موضع ضعف في اقتصادها تحاول الولايات المتحدة استغلاله واستثماره في الحرب على الاقتصاد الصيني، ما حدا بالصين الشعبية السعي لكسر هذا العجز، وإلى اعتبار إنتاج أنصاف النواقل الإلكترونية من بين أولويات خطتها التنموية العشرية الطموحة. وفي التقدير، تُدرك الإدارة الأميركية أنها ستنجح في أحسن الأحوال في تأخير قدرة الصين الشعبية على إنتاج أنصاف النواقل وامتلاك التكنولوجيا المُتعلقة بها، وليس في مقدورها منعها من امتلاك تلك التكنولوجيا في نهاية الأمر، خصوصاً في ظل مساعي عمالقة التكنولوجيا في الصين الشعبية مثل شركات (علي بابا) و(بايدو) و(هواوي) لامتلاك تلك التكنولوجيا والتفوق بها في مسار المجهود التكنولوجي الصيني الطموح. وعليه، المعركة بين بكين وواشنطن بدأت في هذا الإطار، ومن ينتصر في الاقتصاد الرقمي، سيفوز في المستقبل، فالسيارة باتت كمبيوتر على عجلات، والبنك كمبيوتر يُحرّك صرف وتعاملات المال، والجيوش تُحارب بالسليكون والحديد قبل المدافع والطائرات التي باتت تُسيّرها الحواسيب، وكذا الطائرات دون طيار والتي تستطيع القيام بأعمال حتى قتالية.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
18/12/2018
2380