+ A
A -
يتكاثر الحديث بدمشق الآن عن مصير المناطق السكنية المُسماة بالمناطق العشوائية المحيطة بالعاصمة، ويزداد الحديث معها عن مشاريع معينة، تتناولها وتتناول معها مشكلة تأمين البديل لسكانها، خاصة وأن هناك حيا كبيرا من أحياء تلك المناطق يُحيط بمخيم اليرموك، ويُسمى بحي التضامن، حيث تجمع السوسيولوجيا الواحدة مخيم اليرموك مع غيره من العشوائيات، علماً أن اليرموك من المناطق العمرانية النظامية ولايحتسب من مناطق العشوائيات التي تزنّر دمشق. إن منبت تلك السوسيولوجيا بين اليرموك وجيرانه، أنها قاربت أيضاً من الزاوية الطبقية الوضع «الطبقي والاجتماعي» بين حال الفلسطيني اللاجئ قسراً من أرض وطنه فلسطين وقد خرج منها وبين حال سكان تلك العشوائيات الذين كانوا إجمالاً من منابت طبقية فقيرة ومتواضعة (وبعضها من منابت طبقية مسحوقة) ومن فقراء الأرياف والمحافظات البعيدة ومن مهمشي المدن (الذين كان يُطلق عليهم الماركسيون العرب في أدبياتهم مسمى «البروليتاريا الرثة»)، ومن طالبي العمل والمياومة (العمل بالأجر اليومي) في سوق الرزق في المعامل والمنشآت والبنى التحتية في العاصمة دمشق ومحيطها. إن تلك الحالة الاجتماعية السوسيولوجية للعشوائيات المحيطة بمخيم اليرموك ومنها حي التضامن على وجه الخصوص، دَفعت قطاعات من سكان تلك المنطقة للبحث عن الوظيفة الحكومية حتى المتدنية في سلم «الراتب والرتبة الوظيفية»، ونمت معها ثقافة «ضارة» عنوانها «ترك الأرض الزراعية والبحث عن الوظيفة» وقد دفعت تلك الثقافة الأعداد المتزايدة من سكان الأرياف في المناطق البعيدة من مختلف المحافظات للقدوم لدمشق والإقامة في تلك العشوائيات. وقد تكون سنوات الجفاف التي مرت على المنطقة الشرقية في سوريا قد أسهمت في تأجيج وتشجيع تلك الهجرات الداخلية، إضافة للتقاعس العام في تنمية الريف من قبل الجهات المعنية وإهمال أهمية توزيع المؤسسات الإنتاجية وحتى الوزارات على كامل بقعة الأرض السورية. ومن بين تلك العشوائيات المحيطة بمخيم اليرموك، وغيرها البعيدة عنه والموزعة في عموم مناطق دمشق وباقي المحافظات، ازدهرت حالات التذمر الاجتماعي، واحتقنت معها روح التمرد والتي باتت بعد حين تحمل مضموناً سياسياً، بالرغم من توفر الخدمات الأساسية لتلك العشوائيات وخاصة في المجال المتعلق بالصحة والتربية والتعليم وانتشار المدارس فيها وباقي المرافق الخدمية. ومن المهم، الإشارة إلى أن المناطق المحيطة باليرموك تضم بين ثناياها خليطاً من عموم أبناء الشعب السوري من كل المحافظات وحتى من كل الطوائف، وهو أمر أوجد حالة غنية من الألفة والتفاعل بين الجميع وساعد على حالة الانصهار الوطني، وقد ساعد على هذا الأمر أيضاً الحالة الوطنية الفلسطينية التي كانت ومازالت على الدوام حالة جامعة لا تقبل بمنطق الطوائف، بل تذم وتَلعَنَ أَصحابَها. بل إن الزيجات المختلطة تميّز الحالة الفلسطينية في سوريا، فهناك المئات من الشبان أو الشابات الفلسطينيات ممن اقترنوا بسوريات أو سوريين من كافة الطوائف والملل. وفي المقابل، كان ومازال فلسطينيو سوريا ومخيم اليرموك، الأجدر من جيرانهم على شق طريقهم الصعب والقاسي بالرغم من وجودهم كلاجئين خارج أرض وطنهم التاريخي، وقد يكون السبب في ذلك نتيجة انشدادهم الرئيسي نحو همهم الوطني ونحو بوصلتهم المتجهة نحو وطنهم فلسطين، فضلاً عن التجربة التي دعكتهم في مراراتها وعلقمها، ودفعت بهم نحو حفر الصخر بأظفارهم لتحسين أوضاعهم، والتركيز على تعليم أبنائهم، وهو أمر جعل من مخيم اليرموك (ورغم السوسيولوجيا المشتركة) متمايزاً في هذا الجانب عن حالة سكان العشوائيات المحيطة به، فبات مخيم اليرموك مدينة كبيرة وعامرة وخارج إطار ما يسمى بالعشوائيات وفق التقسيمات المرسومة والمصنفة في وزارة الإدارة المحلية السورية.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
30/11/2018
1952