+ A
A -
لم أكن أمتلك في تلك الفترة في بدايات عملي السياسي، تلك الخبرة والزاد في التعاطي مع الحدث اليومي منذ انضمامي للعمل الوطني الفلسطيني عام 1974، لكن مران التجربة اكتسبتها بشكلٍ شبه متسارع، ومتراكم يومياً، وكان أول تلك الاختبارات في محطة الفعاليات الاحتجاجية التي قامت بمخيم اليرموك بدايات صيف العام 1976، حيث وقع الافتراق الأول بين سوريا ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد دخول القوات السورية إلى لبنان، وإطلاق سوريا شعار «لا غالب ولا مغلوب» ووقوفها ضد شعار «الحسم العسكري» في مواجهة قوى اليمين الانعزالي اللبناني، وهو الشعار الذي رفعه الشهيد الراحل كمال جنبلاط بعد أن استطاعت القوات الوطنية المشتركة الفلسطينية اللبنانية من دحر القوى الانعزالية اليمينية اللبنانية وحشرها جغرافياً، فكنت في دواخلي أقرب للموقف القائل، باعتبار أن الاندفاع في الحسم العسكري سيفتح المجال لتدخل «إسرائيلي» قوي في الوضع الداخلي اللبناني، وسيدفع بالقوى الانعزالية اللبنانية للارتماء بحضن «إسرائيل» أكثر فأكثر. ومع هذا، كان الانسياق العام العملي في موقفي يتماهى مع موقف عموم القوى الفلسطينية المنضوية بشكلٍ كامل في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، باستثناء مجموعة صغيرة كانت منشقة عام 1974، وكانت تعمل بشكلٍ شبه سري، وتتخذ من بغداد مركزاً لها بقيادة صبري البنا (أبونضال) وحملت اسم «فتح المجلس الثوري». شاركت في تلك الفعاليات الاحتجاجية، ليتم التقاطنا من الشوارع من بين آلاف المتظاهرين في مخيم اليرموك، وتحديداً في شارع صفد في مخيم اليرموك، وليتم ترحيلنا بالسيارات العسكرية باتجاه سجن (كراكون الشيخ حسن) المتلاصق مع (تربة باب الصغير) من جهة الشمال في «حي الشاغور براني» بدمشق القديمة، والذي تم احتجازنا به لعدة ساعات بعد تلقي الصفعات والركلات من قبل رجال الأمن، واطلق سراحنا باعتبارنا من صغار السن نسبياً وطلاب مدارس وفي فترة امتحانات الفصل الدراسي الثاني في ثانوية اليرموك للبنين، فيما تم توقيف الآخرين. ترك الحدث أعلاه بصماته على تجربتي منذ بداياتها، والتجربة المقصودة هنا ليست عملية الاعتقال لعدة ساعات في سجن (كراكون الشيخ حسن)، وهو السجن الذي تم فيه توقيف الدكتور جورج حبش عام 1968، وتهريبه منه بعد عدة أشهر وفق خطة وضعها الشهيد الدكتور وديع حداد، بل من زاوية ما وقع من افتراقٍ رسمي سوري فلسطيني، وهو افتراقٍ دام عدة أشهر فقط، لكن ما رافقه من اعتمالات وتداعيات ونقاشات خُضتُ غمارها، جعلتني أتردد في بناء موقف نهائي من ذلك الحدث، بل كنت ومازلت حتى الآن، أعتقد بأن الافتراق إياه كان من المُمكن تجنبه بإبداء مرونة ولو كانت «زائدة» في سبيل الحفاظ على العلاقات المشتركة السورية- الفلسطينية على مستوياتها الرسمية دون خدوش، بالرغم من وجود حالات موتورة بدمشق كانت متحاملة على ياسر عرفات وصلاح خلف (أبوإياد) ومُجمل الحالة الفلسطينية وعلى رأسهم عبدالحليم خدام وغيره.
بقلم: علي بدوان
copy short url   نسخ
27/11/2018
1841