+ A
A -
وسط تداعيات عديدة في فضاءات الاقتصاد والاجتماع والسياسة، تستقطب قضيتان محددتان، جانباً كبيراً من الجدال والمناقشات في السودان.
التناول لهاتين القضيتين يتطلب إنصاتاً عميقاً لمختلف الآراء بهدوء وحكمة.
أولى هاتين القضيتين هي قضية الوفاق الوطني المنشود.
وقد اعتبر مراقبون كثر أن حزب الأمة السوداني بقيادة السيد الصادق المهدي قد أشعل مجدداً جدال كيفية حكم السودان.. وهنا نستحضر أهمية ما ظل يتردد في الفضاء السياسي السوداني بأنه ليس مهماً «من يحكم السودان.. وإنما المهم كيف يحكم السودان؟»... والمعلوم أن العقود الزمنية الأخيرة قد شهدت استقطاباً سياسياً حاداً وذلك بسبب الإخفاق في معالجة الخلافات بين الحكومة (حكومة الإنقاذ) والقوى المعارضة، تلك التي لا يزال يوجد بينها قوى تحمل السلاح مثل ما هو ماثل في الواقع السوداني اليومي بشكل لا يمكن إنكاره.
في ظل ذلك الاستقطاب فقد تمت مراجعات كثيرة وسعى حكماء في المعسكرين السياسيين الأساسيين (الحكومة والمعارضة) إلى محاولة نزع فتيل لمواجهات من النوع الذي يتطور إلى حمل السلاح بزعم الرغبة في التغيير واستعادة الواقع السياسي الذي كان سائدا قبل أن يبدأ الإنقاذيون تجربتهم الراهنة.
المهم أن هذه التداعيات تجعل المرء يركز على رؤية حزب الأمة باعتباره الحزب الذي كان يتولى رئيسه السيد الصادق المهدي منصب (رئيس الوزراء) في ظل الانتخابات التي جرت عقب إسقاط نظام نميري.
إن رؤية حزب الأمة مثل ما أظهرت ذلك بيانات ورسائل وتصريحات كثيرة للسيد الصادق المهدي هي الرؤية التي ترجح كفة الديمقراطية الليبرالية التي لها شروطها ومعاييرها ومفاهيمها التي جربت وطبقت في السودان ثلاث مرات خلال الفترات:
- من أول يناير 1956 حتى 16 نوفمبر 1968.
- من 26 أكتوبر 1964 حتى 24 مايو 1969.
- من 6 أبريل 1985 حتى 29 يونيو 1989.
في ظل هذا كله نقول بإيجاز إن حزب الأمة ماضٍ في حراك منفتح على جميع قوى المعارضة بالداخل والخارج مستصحباً برنامجاً واضحاً بتفاصيله المعروفة عن كيفية تحقيق الوفاق ووقف الحروب وتعزيز خطوات إغاثة المواطنين السودانيين بكل بقعة اشتعلت فيها نيران الحروب، ومن ثم الدخول في مشروع تحول ديمقراطي حقيقي تتم عبره بالضرورة عملية انتخابات عامة تفضي إلى تحديد الأوزان الحقيقية لجميع القوى السياسية.
من ناحية أخرى فإن قضية أخرى شغلت العديد من المفكرين والمثقفين والساسة، وهي قضية ضرورة اعتذار حزب «الجبهة القومية» عن تجربة الإنقاذ، وذلك بحكم أن خيار الاحتكام إلى الشعب والامتثال لإرادة الناخبين هما أمران لا يمكن للسودانيين التنازل عنهما تحت أية ذريعة من الذرائع.
إن خاطرة محددة بتداعياتها القديمة حركت قلمي للكتابة عبر هذه المساحة؛ حيث استعدت ما قاله السياسي الراحل الأستاذ محمد إبراهيم نقد، الذي عرف بحكمته وبلاغته وفصاحته في حقل العمل السياسي، فقد قال إن التعامل بين أي حزب سياسي وقوى تتحرك لـ «إجهاض الديمقراطية» سيفضي إلى الفشل قائلاً إن من يجهضون الديمقراطية قد يتحالفون مع حزب سياسي معين لفترة ما ثم يلقون به بعيداً وشبه تلك الحالة بـ «التعامل مع ثمار الليمون»؛ حيث يصفي ماؤها لغرض ماء ثم ينتهي الاحتياج إليها فتلقى بعيداً.. هذه الرؤية ساقها الراحل «نقد» خلال لقاء مع طلاب جامعة القاهرة فرع الخرطوم سابقاً (النيلين حالياً) في «أيام الانتفاضة»– الثمانينيات- التي أسقطت نظام نميري.
إن العبرة والدرس هما أن السير في طريق «إجهاض الديمقراطية» لا يفضى سوى إلى الفرقة بين القوى السياسية المختلفة صاحبة الحق في المشاركة الحرة في حراك العمل السياسي بما في ذلك انتخابات حرة ونزيهة، وتلك الفرقة تجعل البلاد تعاني بسبب النزاع السياسي وهو ما يؤدي إلى نوع من شلل الحراك الاقتصادي والسياسي ويلقي بظلال قاتمة على المجتمع حيث يشعر الناس في ظل أنظمة لا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان- بصفة عامة- يعانون كثيراً!

بقلم : جمال عدوي
copy short url   نسخ
22/11/2018
2183