+ A
A -
اعترف نصر حامد أبوزيد أنه ينقد تراثنا من داخله، في حين اتجه به عابد الجابري غرباً بشكل أقل حديةً محاولة منه للاستفادة من حفريات فوكو ومدرسة الحوليات التاريخية. في حين استخدم أركون مناهج النقد والبحث الغربية وحاول تطبيقها عليه، لوحاولنا ترتيب الثلاثة قرباً أو بعداً من التراث من خلال دراساتهم فسيأتي أبوزيد ومدرسة المعتزلة التأويلية ومجازية الجرجاني في المقدمة وبعدها الجابري ومزجه وأخيراً أركون والسيميائية والفلولوجية وما طبقه من ألسنيات على النصوص.
ما أريد الإشارة إليه هنا ليس تلك الفروق بين باحث وآخر أو تكفير أحد دون غيره كما نشاهد اليوم فطالب العلم لا يكفر ومن رزايا الأمة اتباعها لأقصر المناهج لوأد العقل باسم الخوف على العقل وباسم الخوف من الفتنة.
ما يحسب لهؤلاء الباحثين هو تضحيتهم وصبرهم ومكابدتهم وانعكافهم على البحث وانشغالهم بأمور أمتهم حتى آخر رمق من حياتهم.
وكم كابد أبوزيد وكم شتم أركون وكم انتقد الجابري بل كم كفروا وأخرجوا من الملة وهم أحياء يرزقون.
إن ثقل التراث العربي والإسلامي وتماسكه ونقله من جيل إلى جيل جعل من محاوله دراسته وتفكيكه أمراً شبه مستحيل ومن يقوم به يعد منتحراً قبل يومه في حين يرفل ناقليه إلينا يوميا بغثه وسمينه في بحبوحة من العيش ورغد ما عليهم سوى ترديده واجتراره.
سطوة الجانب الاجتماعي كانت كبيرة على من يحاول الفرز وإعمال العقل وأساليب البحث والتقصي الحديثة كالتي استعملها أركون والجابري وحتى تلك التي استعملها أبوزيد وهي من داخل التراث الإسلامي إلا أنها وئدت مبكراً وتسلط التقليد بعد إحراق فكر ابن رشد وكتبه.
ما ألاحظه هنا وأتساءل عنه هو: هل عاد من عاد من هؤلاء المفكرين إلى التراث حاكماً لا بديل عنه ومحاولة التصالح معه اقتناعاً منهم أو مجاراة لمرحلة عمرية بدأت بالتمرد ومن ثم بالانصياع كالشمس عند غروبها تخفت أشعتها. من هؤلاء المفكرين طه حسين صاحب الشعر الجاهلي ومحمد حسين هيكل ودعوته للتغريب وزكى نجيب محمود وخرافة الفكر الميتافيزيقي والمسيري كذلك ومن الأحياء محمد عماره ماركسي البداية وغيره، كلهم عادوا إلى حظيرة التراث واستكانوا بعد ثورة. لعل العديد منهم تعاضد السن والمجتمع على إيوائه داخله والله أعلم، ولكن من يلتزم قناعته أولى بالتقدير وإن لم ينصف في حياته. ولكن القاعدة لا تستقر إلا ببعض الشذوذ برغم استكانة التاريخ والجغرافيا وحياديتهما فمن قلب البيئة النجدية القصيمية الوهابية خرج عبد الله القصيمي وألف العديد من الكتب حول إشكاليتنا مع التراث فيها من الحدة والنقد الشيء الكثير.
نحن بحاجة إلى مدرسة جديدة في التاريخ لا يقوم فيها الماضي مقام الحاضر ولا يبرز الحاضر حكماً لما قد يفرزه المستقبل إلا بما قد يحفظ للإنسان كرامته وحريته وسيادته وخلافته لله على هذه الأرض.
عبدالعزيز الخاطر
copy short url   نسخ
08/06/2016
1076