+ A
A -
في 23 يونيو الجاري تشهد بريطانيا استفتاء تاريخيا على عضويتها في الاتحاد الاوروبي، من شأنه ان يزيد الحرارة في صيف القارة القديمة التي تعاني من مشكلة اللاجئين المحتدمة وأزمات الديون، ويضع مستقبلها امام ألف سؤال واحتمال. جوهريا لاتوجد اسباب مقنعة تجعل بريطانيا تترك الاتحاد الأوروبي. فخروج لندن من فلك القارة القديمة ليس له معنى على الإطلاق من الناحية الجيوسياسية أو الاقتصادية، كما يقول زعماء اجانب كبار من بينهم الرئيس باراك اوباما. لذا فإن أي تفسير لحملة خروج بريطانيا التي لا يمكن التفتيش عنه إلا من خلال البحث في التاريخ الاجتماعي والثقافي والعاطفي.
بريطانيا دولة عظمى فقدت امبراطوريتها ولم تعثر بعد على أي دور يليق بما كانت عليه في التاريخ القريب. والنخبة البريطانية الحاكمة لم تستوعب بعد ان الامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس لم تعد هي هي كما كانت قبل الحرب العالمية الثانية، لذا سعت إلى ابقاء الشعلة القديمة مضاءة عبر مغامرات إمبراطورية جديدة، من حرب السويس عام 1956 إلى جزر فوكلاند عام 1978 إلى غزو العراق عام 2003. وفعلا فان العديد من البريطانيين المؤيدين للخروج يجادلون بأن جزيرتهم الصغيرة ستظل عظيمة بما يكفي لكي تنفصل عن أوروبا القارية.
وفي المقابل فان الاتحاد الاوروبي منذ تأسيسه قبل 65 عاما وتحوله من مشروع اقتصادي إلى آخر سياسي، لايزال حتى الآن محوطاً بطوباوية حالمة، فهو مصاب بركود اقتصادي في معظم دوله ال28، والبطالة في قواه المنتجة حققت ارقاما قياسية، وعملته اليورو موحدة لدول غير متجانسة من حيث الجوهر، وليس هذا فحسب، بل إن الاتحاد الأوروبي يعاني من صراع اشبه بالصراع الطبقي بين دوله الغنية وتلك الفقيرة، لابل ايضا من انقسام بين غربه الذي يعتبر نفسه وصيا شرعيا على الارثين الثقافي والسياسي الاوروبيين وبين شرق يحاول اقتحام الغرب بيده العاملة الرخيصة والتشدد والمزايدة السياسية. وجاءت موجة الهجرة لتمثل أخطر تهديد للاستقرار الداخلي في القارة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945. وهكذا صار هؤلاء البريطانيون الطامعون بالخروج، ينظرون خلف المانش ليروا يابسة تنخرها الصعاب والازمات ويتطلعون إلى النأي بانفسهم عنها بالاميال ال165 من المياه التي تفصل بر القارة عن بر جزيرتهم.
والمتحمسون لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، يأملون أن يؤدي الخوف من خروجها، إلى دفع الناخبين للتصويت لصالح استمرار عضويتها في هذا الاتحاد الذي يزداد تداعياً، بمرور الوقت. فالاستفتاء الذي سيجري بعد قرابة الثلاثة اسابيع، سيقرر ما إذا كان الخروج البريطاني سيحدث فعلًا أم لا.
والمؤيدون لبقاء بريطانيا في منظومة الاتحاد الأوروبي لا يقولون سوى القليل مما يمكن اعتباره مشجعاً وملهماً للبقاء، وفي المقابل يتبارون في تعداد الأشياء المخيفة عن المغادرة. ويعتمد معسكر البقاء بشكل مكثف على التنبؤات المتشائمة، عن الحطام الاقتصادي الذي سيعقب خروج بريطانيا من الاتحاد، وفق دعاية تقدمها مؤسسات مثل وزارة الخزانة البريطانية، وصندوق النقد الدولي، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
والعواطف تميل بشكل غير متكافئ لجانب المغادرة، وهو ما ينبأ بإن المشاركة المنخفضة في الاستفتاء، سترجح خيار خروج بريطانيا، لأن الاحتمال الأكبر هو أن الراغبين في خروج بريطانيا سيشاركون في الاستفتاء على نحو أكبر، وأكثر كثافة من الراغبين في بقائها.
والحال أن الخروج البريطاني قد يكون سبباً في انتشار عدوى اشهار السيادة الوطنية لدى أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي لابل في المملكة المتحدة نفسها حيث تنتظر كل من اسكوتلندا وايرلندا الشمالية نتيجة الاستفتاء لتتصرف بموجبه وفقا لما تقتضيه مصالحهما.
أمين قمورية
copy short url   نسخ
08/06/2016
1782