+ A
A -
في جلسة مسائية في مقهى برليني، جلست مع مجموعة من الأصدقاء السوريين الذين حضروا مشاركة لي في أمسية الافتتاح في مهرجان برلين الشعري، الجلسة التي بدأت بخمسة أصدقاء معي سرعان ما تحولت إلى جلسة جماعية كبيرة، كل عشر دقائق ثمة سوري قادم ليشاركنا الجلسة، منهم من هم أصدقائي وأعرفهم ومنهم من تعرفت بهم للتو، غير أن اللافت لي كان هو العدد الكبير من هذه الشريحة من السوريين الموجودة في المانيا، فنانين تشكيلين ، شعراء، صحفيين ، موسيقيين، مخرجين ، مسرحيين، ومن أعمار مختلفة ومن مناطق سورية متنوعة ومختلفة، معظمهم مر قبل ألمانيا على البلاد العربية وتركيا ثم لجأ بطريقة من الطرق إلى أوروبا.. قالوا لي: خارج برلين ستجدين المزيد منا، نحن الآن موزعون على كامل الأرض الألمانية، على الأقل هنا نشعر بالأمان، لا شيء يشكل علينا ضغطا يوميا، لا شيء يجعلنا نخاف من المستقبل، لا شيء يجعلنا قلقين من إمكانية ترحيلنا في أي وقت كحال البلاد التي كنا بها قبل مجيئنا، نحن هنا نعيش باحترام رغم لجوء أكثرنا إلى المساعدات ، لكن لا أحد يشعرنا أننا ضيوف، حيث كنا، في البلاد العربية أو تركيا، كان هذا الشعور ملازما لنا، رغم أننا كنا نعمل وننتج ولم نتلق أي مساعدة من حكومات تلك الدول، بل ربما ساهمنا، لكثرتنا في تحريك دورة المال اليومي ، ومع ذلك لم نشعر للحظة بالأمان ، الخوف الذي قلنا إننا خلعناه في سوريا عدنا وارتديناه في تلك الدول ، خوف من كل شيء، من الحاضر والمستقبل ، من الكلام والرأي والسلوك ، كنا نشعر أن ثمة من يراقبنا، وأننا نشبه الفيروس ، يجب أن يتم الحجر علينا كي لا ننتقل إلى أبناء البلد فنصيبهم بعدوانا، كانوا يحكون لي عن كل هذا، أنا التي ما زلت مصرة على العيش في بلد عربي حتى اللحظة، وأتذكر نفس حالة الخوف التي تصيبني حيث أنا، وأفكر كم كان السوريون محقين حين لم يتركوا وسيلة تمكنهم من الوصول إلى أوروبا للبدء بحياة مغلفة بأمان فقدوه لسنوات طويلة، ليست ألمانيا هي الدولة الوحيدة التي تمتلئ بهذا العدد من السوريين، السويد وفرنسا وبلجيكا وهولندا والدانمارك، كلها صارت أوطانا جديدة لهم، ينتجون فيها ويبدعون وينمون مهاراتهم بمناخ من الحرية يمنع عنهم الخوف وفقدان الأمان، وهو ما حلموا به أن يكون في وطنهم ، في سوريا، حلموا أن يتاح لهم هذا القدر من الحرية كي لا يوقف نتاج خيالهم شيء، لهذا قاموا بثورتهم ودفعوا أثمانا باهظة، بيد أن ما حدث للثورة ولسوريا أصابهم باليأس وفقدان الأمل وانسداد أي منفذ للحلم بالتغيير، فانتشروا في العالم في تغريبة إنسانية جديدة من تغريبات التاريخ البشري، والتي لا يبدو أنها ستتوقف طالما من يحكم العالم هم مافيات سلاح وتجارة كل شيء، هذه المافيات التي تساعد على تأجيج الصراعات في بلادنا وتحمي من يحمي مصالحها ولو قتل الملايين منا، وفي الوقت ذاته تفتح أبوابها لنا ولأبنائنا، فنجد لديها ما فقدناه من احترام واعتراف بآدميتنا وإنسانيتنا، مثلما نجد الأمان والسلام الذي فقدناه في بلادنا. بلادنا التي تتاجر بها المافيات الحاكمة للعالم .

بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
07/06/2016
1894