+ A
A -
رشا عمران
خبران ضجت بهما وسائل الإعلام العالمية خلال الأيام الماضية، والخبران متشابهان في تفاصيلهما، ومدهشان لحدوثهما بالطريقة التي حدثا بها، الخبر الأول هو اختفاء الصيني هونجي مينج، رئيس المنظمة الدولية للتعاون الشرطي، أو ما يعرف بالإنتربول الدولي، بعد سفره إلى الصين من فرنسا حيث يقيم، ورغم ما في هذا الخبر من طرافة ومفارقة مدهشة، خصوصا أن زوجته هي من اكتشف غيابه واختفاءه وابلغت السلطات الفرنسية بذلك.

إلا أن الخبر في الوقت نفسه مفزع جدا، ويكشف عن الحالة التي وصل إليها عالمنا من استهتار بكل المبادئ الإنسانية والحقوق البشرية، إلى درجة انتفاء الحصانة التي يفترض أن تتمتع بها شخصية مثل رئيس الأنتربول الدولي، خصوصا مع الأخبار الواردة أخيرا بضلوع حكومة بكين في اختفائه الغريب.
الخبر الثاني هو اختفاء، ثم ورود الانباء عن اغتيال الصحفي السعودي المعروف جمال خاشقجي في سفارة بلاده في تركيا، إثر ذهابه إليها للحصول على أوراق رسمية تؤهله للاقتران بخطيبته التركية التي اعتصمت أمام السفارة السعودية في بلادها، والتي صرحت أكثر من مرة أن خاشجقي قد اختفى بعد دخوله السفارة، على عكس ما يتم ترديده في الإعلام السعودي والموالي له، من أنه زار السفارة وحصل على أوراقه وغادر. ولخاشقجي وضع بالغ التعقيد والخصوصية يفترض أن يجعل من مسألة اختفائه، ثم الانباء عن مقتله، مسألة دبلوماسية محضة، فهو من أصل تركي ويحمل الجنسية السعودية، ويقيم في أميركا ويكتب في كبريات صحفها، ومعروف عنه تأييده للثورات العربية، ونقده الدائم لسياسات المملكة وتحالفاتها، ولا سيما في المرحلة الأخيرة، وتزعمها التحالف الرباعي الذي فرض الحصار على دولة شقيقة، وعضو في مجلس التعاون الخليجي، والذي أضعف دور المجلس، وأبعده عن القضايا العربية المشتبكة والمشتعلة، والتي تحتاج إلى حلول سريعة يفترض أن الدول العربية الكبرى، وجامعة الدول العربية هي من يبادر إلى خلق الحلول، لا أن تترك للدول الإقليمية ودول العالم للتلاعب بها، وعقد الصفقات على حساب شعوب هذه الأمة المنكوبة.
فإذا كان اختفاء رئيس الانتربول الدولي حادثة فريدة من نوعها، ولن يمر وقت طويل حتى تتضح ملابساتها، لأسباب عديدة، أهمها أن الرجل ذو منصب دولي كبير وسيكون من العار على المجتمع الدولي ومنظماته الصمت عن اختفائه، فإن اختفاء خاشجقي، ثم ورود انباء عن اغتياله، قد يمر وكأن شيئا لم يحدث، فالرجل صحفي وكاتب وليس صاحب منصب رسمي، والأهم هو أنه يحمل جنسية عربية، جنسية إحدى شعوب العالم الثالث، العالم الذي لا يلقي بالا لأية قيمة إنسانية لمواطنيه، والذي تعرف أنظمته ببطشها بأفرادها، خصوصا المعارضين منهم، أو حتى المنتقدين للسياسات العامة والفردية للأنظمة، العالم الثالث صاجب التاريخ الطويل والمستمر بانتهاك حقوق الإنسان، ومحاربة الرأي المخالف واعتبار صاحبه خائنا، وصاحب التاريخ الطويل والمستمر أيضا في عداء الإبداع الحر والمستقل، فما بالك بالصحافة الحرة وكتابها!.
في عام 1979 تم اختطاف الإعلامي السعودي المعارض ناصر السعيد في بيروت، قيل يومها أن الأسد الأب سلمه للسعوديين، أشيع عن إلقائه من الطائرة، لم يهتز جفن لأحد لاختفاء السعيد، عشرات الإعلاميين والصحفيين والكتاب العرب المعروفين، تم الفتك بهم بطرق مختلفة من قبل الأنظمة العربية، دون أن يهتم أحد لمصيرهم، لن يكون مصير خاشجقي مختلفا، بل على العكس، فقد يتم التعتيم تماما على اختفائه، إذ يمر عالمنا حاليا بمرحلة بالغة الخطورة، فهو محكوم بنظام الشركة لا الدول، وتشكل تحالفاته بنظام الصفقات لا بالسياسة، عدا أنه ثمة تشابك مريع في الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية بين الدول العربية والإقليم وبين دول العالم الأول، تجعل من قضية خاشقجي واحدة من الصفقات المهمة التي قد يتم استخدامها في لعبة الشطرنج الجديدة في هذه المنطقة.
ويبقى السؤال: إذا كانت شخصيتان بحجم هونجي مينج وجمال خاشقجي قد رفعت عنهما حصانة المنصب والاسم وتعرضا لما تعرضا له بطرق مريبة، فما هي حظوظ باقي المعارضين العرب في الدول العربية من النجاة من الفتك والبطش بهم؟! كل المؤشرات تدل على رقم صفر.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
09/10/2018
2254