+ A
A -
صدق من قال من المفكرين الاقتصاديين، ومنذ عدةِ عقودٍ: «إن السياسة هي اقتصاد مكثّف، وأنَّ السياسة والاقتصاد لا انفكاك بينهما». فكل مايجري الآن حولنا، في الإقليم، وفي العالم ككل، يُلخص في جوانب هامة منه، والى حدٍ بعيد حروب المصالح الكبرى الجارية في أكثر من موقع وعنوان.
والملفت أن ميادين الصراعات في هذا المجال تتعدد، حيث نشهد الآن بدايات انتقال الصراع التجاري الاقتصادي بين واشنطن وبكين إلى ميدان الزراعة والاقتصاد الزراعي، حيث لم تترك واشنطن ميداناً واحداً من ميادين الصراع إلاّ واستثمرته في مسار معركة التنافس حامية الوطيس مع الصين الشعبية، وروسيا، المنافسين القويين، أو «الخُصُوم» (الذين أصْبَحُوا أعْدَاء في لغة الخطاب والإعلام الأميركي)، فالرئيس الأميركي دونالد ترامب مازال مُصِرًّا على فرض زيادة الرسوم الجمركية، ومحاولة إقْصاء روسيا من سوق الغاز الطبيعي في أوروبا وآسيا، والضغط على المانيا لتعطيل خط السيل الثاني للغاز القادم من سيبيريا باتجاه أوروبا الغربية. حتى أن واشنطن لم توفر «الحلفاء» في مجموعة الاتحاد الأوروبي وكندا، من خلال شنها للحرب التجارية الجماعية على الذين يُشاركونها الكثير من سياساتها ضمن الحلف الأطلسي.
إن واشنطن، تعمل وبدأب، على قْضم الحصص الكبرى من السّوق العالمية «المَفْتُوحَة»، وهو ماحدى ببعض المفكرين الاقتصاديين الأوروبيين لنعت الدّولة الأميركية بـ «اللص وقاطع الطّريق»، التي لا تخضع لأي عُرْفٍ أو قانون، بل تَفْرِضُ قوانين محلِّيّة على العالم، لأنها تمتلك القوة العسكرية وقوة المال بفضل اعتماد الدّولار عملةً أساسية في التعاملات والتبادل التجاري العالمي، والتّحْوِيلات المَصْرِفِيّة، وبِفَضْلِ ضخامة سُوقِها الدّاخلية التي تُشَكِّلُ وِجْهَةً مُفَضّلة لإنتاج عديد الشركات والدّول، وحتى كسوق رائجة للاستهلاك الداخلي.
وفي العودة لما بدأنا به، ونعني به انتقال الصراع إلى ميدان الزراعة والاقتصاد الزراعي، فقد استفادت بعض القطاعات (الزراعيةِ بشكلٍ خاص) في دول القارة الأميركية الجنوبية كالبرازيل والأرجنتين وغيرهما، من بعض جوانب الحرب التجارية التي أطْلَقَتْها الولايات المتحدة ضد الصين الشعبية، والتي أنتَجَتْ رُدُود فعل صينية وأوروبية، كان منها رد الصّين بفرض رسوم جمركية على وارداتها من فول الصُّويا الأميركية، حين عقدت (حكومة الصين) اتفاقًا مع حكومة البرازيل ينص على استصلاح الصين مساحات واسعة من الأراضي في البرازيل لزراعة فول الصويا، التي ستستهلك الصين جزءاً منها، كبديل للصويا الأميركية، وتعتبر البرازيل أكبر منتج بنحو 47% من إجمالي الإنتاج العالمي، وتستورد الصين سلعًا بقيمة خمسين مليار دولار سنوياً من البرازيل، وتصدر الصين سِلَعاً إلى البرازيل بقيمة 27 مليار دولار فحسب، ويُساهم الفائض (لصالح البرازيل بقيمة 23 مليار دولارًا) في تعزيز الفائض التجاري للبرازيل الذي قارب 70 مليار دولارًا سنة 2017.
بقلم : علي بدوان
copy short url   نسخ
02/10/2018
1704