+ A
A -
ثمة قضية مهمة تتعلق باللاجئين إلى الدول الأوروبية، قلما يعرفها أحد، بوصفها إحدى القضايا الخاصة بالثقافة والإبداع والمشتغلين بهما، تتلخص القضية في أن حركة اللجوء الكثيفة التي حصلت في السنوات الأخيرة، ولا سيما اللجوء السوري، استطاعت تحريك عجلة منظمات المجتمع المدني بسرعة فائقة، وبما أن عدداً كبيراً من الكتاب والمبدعين السوريين قد أصبحوا من ضمن المجموعات اللاجئة إلى أوروبا، فإن المنظمات المدنية المهتمة بالمشاريع الثقافية كانت هي الأبرز حضوراً وقوة، (ربما بسبب علاقتي الشخصية مع الثقافة فقد انتبهت إلى حضورها وقوتها في أوروبا)،
هذه المنظمات استطاعت استقطاب عدد كبير جدا من المبدعين السوريين في مختلف مجالات الإبداع، الشعر والرواية والموسيقى والتشكيل والمسرح والسينما، وإلى آخر فنون الإبداع المعروفة، وبرزت خلال السنوات الماضية، بسبب دعم هذه المنظمات العديد من الأسماء التي كانت غير معروفة في سوريا، إما بسبب صغر سنها ويافعتها، أو بسبب عدم توفر المنابر الثقافية واقتصارها على مجموعات محددة ذلك الوقت في سوريا.
غير أن للأمر هذا وجهين متناقضين يجب الحديث عنهما بالتساوي، فبقدر ما أعطت هذه المنظمات الفرصة للكثير من الأسماء كي تبرز وتقدم ما لديها من إبداع، وأظهرت الكثير من اللمعان الذي تم إخفاؤه سابقاً، عن سابق عمد أو بسبب الإهمال؛ حيث نجح الكثير من السوريين بدول اللجوء في تقديم صورة ممتازة عن الإبداع السوري، وعن المخيلة السورية التي استطاعت تطويع الحدث السوري الرهيب لصالح الإبداع والفن والثقافة، فإنه أيضاً من المنصف الحديث عن ظاهرة المتسلقين على الإبداع والذين وجدوا في هذه المنظمات فرصة للشهرة والظهور والحصول على المنح دون أن يتمتعوا بمواهب أصيلة وحقيقية، ودون أن يحققوا أي إضافة للإبداع السوري، مستغلين جهل ممولي هذه المنظمات بحركة الثقافة السورية، ورغبتها بتمويل كل المشاريع الثقافية بالمتعلقة بسوريا واللجوء والحرب والثورة، بغض النظر عن المستوى الذي ستقدم به هذه المشاريع.
وربما سيلاحظ المتابع للحركة الثقافية السورية في بلاد اللجوء أن ما يقدم بات متشابهاً إلى حد التكرار والنسخ، وهو ما يمكن إسقاطه أيضاً على الإبداع السوري في داخل سوريا أيضاً؛ إذ تسيطر فكرة الحرب أو اللجوء أو عنف النظام أو الموت أو الاعتقال أو التعذيب حتى الموت أو التشرد والهجرة غير الشرعية على معظم الإبداع السوري، وبسبب الوفرة في الحدث اللوجستي والاستخدام المنتشر بكثافة لوسائل التواصل الاجتماعي حدثت وفرة مذهلة أيضاً في عدد من يصفون أنفسهم بالمبدعين، هؤلاء الذي لا يعرفون أبجديات الإبداع والفن، وثقافتهم عنه هي ثقافة متناقلة عبر وسائل التواصل أو شفوية حكائية، دون أية خلفية ثقافية أو تأهيل سابق، يمكن استثناء الفن التشكيلي والسينما من ضمن هذه الوفرة هزيلة المحتوى؛ حيث الإنتاج السوري للسينما والتشكيل مختلف فعلاً وجديد، واستطاع التطور بشكل ملحوظ جداً خلال السنوات السابقة، على عكس الفنون الكتابية والفنون الأخرى كالمسرح والدراما التليفزيونية التي تراجعت بشكل مؤسف لأسباب عديدة تحتاج حديثاً كاملاً عنها.
أما المشكلة فهي المنظمات التي تبحث عن مشاريع دائمة لتبقى موجودة وتستقطب التمويل، والحدث السوري مناسب تماماً لها للاستمرار طالما هناك من يكتب أو يتحدث عنه، فإذا كانت هذه المنظمات غير مهتمة بالصورة التي ستظهر عليها الثقافة السورية، فإن علينا نحن السوريين واجب الاهتمام هذا، حيث لم يستمر تمويل هذه المشاريع كثيرا، سينتهي قريباً مثلما خف وانتهى الاهتمام العالمي بقضية سوريا وقضايا اللاجئين عموماً، واجب المبدعين السوريين تطوير أدواتهم الإبداعية والاشتغال على الخيال، وخلق مواضيع جديدة وجدية خارج موضوعة الحدث السوري التي بدأت تجتر نفسها على الصعيد السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري، ومثلهم على الصعيد الإبداعي، حدث هذا في القضية الفلسطينية سابقاً، وفي ما يسمى شعر المقاومة، ظهر فجأة واستمر عدة سنوات ثم لم يبق منه شيء، استمر فقط من كان مبدعاً حقيقياً، فالإبداع عابر للقضايا الآنية مهما كانت قضايا عظيمة.
بقلم : رشا عمران
copy short url   نسخ
25/09/2018
4220